الاثنين، 27 يونيو 2011

عن الوحدة

من أعمال باسكال كامبيون

الوحدة
أروع
شيء 
في 
الوجود

فهي تعطيك الفرصة دائماً لرؤية الدنيا من على بعد خاص
وتأمل تفاصيل البشر
والاستمتاع بجمال الأشياء على مهل

لكنها تحرمك من أن تعيشها بكل جوارحك.

***

وتعيشُ دائماً وحدك.. تنسج خيوط الوحدة حولك.. وتفرخ هي أطفالها في داخلك.. يكبرون فيك.. يطلون من عينيك.. يتساقطون بين كلماتك.. ينامون على أطراف ضحكاتك.. يهربون في دموعك.. ويشدونك في إيماءة بطيئة وحيدة وأنت جالس على كرسي بين الآلاف، وحدك، و لا تسمع شيئاً إلا صوت الريح يدور من حولك..

***
عندما تموت سيجدها أحدهم بالصدفة بعد أيام أو شهور ملقاة على أعتاب غرفتها.. في سريرها.. أو على أحد الكراسي.. ولن يعرف أحداً اسمها.
سيهيل عليها التراب وحده.. ويرحل..
ولن يزور قبرها إلا نسيم الشتاء عابقاً بالشجن، حاملاً الأمل والذكرى.. كما فعل دائماً..

الجمعة، 24 يونيو 2011

ذاكرة الأمنيات..


كان يأتي الربيع في أيرلندا فتمتلئ الدنيا بزهور الهندباء (ولا أعرف لمَ يبدو اسمها غريباً هكذا بالعربية! يطلق على الهندباء  لفظ "داندولاين" بالإنجليزية، وهي زهور صفراء صغيرة، تنتشر في أرجاء المساحات الخضراء الواسعة، تغطيها، تظلل هور الأقحوان ("الدايزي") الصغيرة، البيضاء، التي تنبثق كالبسمات تحتضن أشعة الشمس، تدغدغ التلال الزمردية،  وتملأ صدرك بالفرحة والأمل.
وعندما يأتي الصيف تتحول وريقات الهندباء الصفراء إلى شيء يشبه المظلة: الكثير من الأعواد الضئيلة التي تحمل كل منها مظلة أخرى خاصة بها من الوريقات أو الشعيرات الهشة، تائهة اللون بين الأبيض والرمادي.. قالت لي إحدى صديقاتي إنه يجب تمني أمنية قبل النفخ برفق في زهرة الهندباء الصيفية، فتتطاير أجزاؤها مع الهواء، وتسقط في مكان ما حتى تُزهر الربيع القادم وتتحقق الأمنية.
كنت سأكتب عن بعض أمنياتي السابقة، ولذا عنونت تدوينتي بـ"ذاكرة الأمنيات"، لكني غيرت رأيي، وآثرت أن أكتب فقط عن ذكرياتي مع هذه الزهور البديعة وإرتباطها بأمنياتي أمس واليوم.. 

أتذكر أول مرة رأيتها فيها، عندما اندهشت جداً، فقد كان عهدي بها دائماً هو رؤية أبطال أفلام الكرتون ينفخون جزيئاتها.. يومها كنت أزور العاصمة دبلن لأول مرة، كنت في العاشرة من عمري، طفلة قصيرة ممتلئة أمسك بيد أبي، نسير على إحدى الجسور في دبلن، فوق نهر الليفي، عودة من السفارة المصرية، وأذكر أن أبي كان قد بدأ يغني عندما رأيت مجموعة من أزهار الهندباء فأوقفته أحكي له "عن عهدي بها في أفلام الكرتون.." والتقطت واحدة ونفختها في سعادة بالغة.. في سنين كان كل ما بها جميل، كان كل شيء يسعدنا ببراءة خاصة لا تتكرر ثانية.
ربما تمنيت حينها أن أزور مصر، أو يوافق أهل صديقتي إيمان أن تزورني في البيت نهاية الأسبوع، أو أن أنجح في إمتحان الحساب.. وربما بعدها بعامين أو ثلاث تمنيت أن تجمعني صدفة ما بأستاذ العلوم الذي كنت مغرمة به في مدرستي القديمة.. وبعدها بعام آخر ربما كنت أتمنى أن تأتي معجزة ما تنتشلني من نوبة الاكتئاب التي عصفت بحياتي عدة أشهر..
واليوم.. أنا أتمنى أن يجمعني الله دائماً بعائلتي على خير، وأن يرضى عنا ويرحمنا، وأتمنى أن ينصر الله أهل سوريا، ويحمي شعبها، وأرضها الطيبة، أتمنى ألا أموت قبل أن أرى مصر قوية، وقد انتشلناها من الفقر والجهل والظلم، وأتمنى أن أعمل كما ينبغي عليّ أن أعمل.. أتمنى أن أنهى قراءة الكتب التي وضعتها على المكتب "لأجل القراءة"، أتمنى أن أعود للعزف على البيانو، وأتمنى أن أتخلص من خوفي من الطائرات، وأن أزور تركيا واليونان، وأتمنى ألا أنسى إصلاح نظاراتي غداً.. أتمنى أن أكون أكثر صبراً، وأقل خوفاً، وأتمنى أن أستطيع إسعاد من حولي.. أتمنى كوب كبير من الماء البارد، وليلة سعيدة هذا المساء، وغد أفضل.. وأتمنى كما تتمنى أمي دائماً: الرضا والستر.

الخميس، 23 يونيو 2011

عمرو أديب وعبد الرحمن يوسف.. ما لهم وما عليهم


شاهد الكثيرون حلقة الأمس من برنامج (القاهرة اليوم) الذي يقدمه عمرو أديب ومصطفى الشردي، وانتشرت هذه الحلقة اليوم على الانترنت تحت عنوان "عمرو أديب يطرد الشاعر عبد الرحمن يوسف على الهواء" وأردت أن أكتب اليوم عن هذا الموضوع الذي أظن أن الخطأ فيه جاء من الطرفين: المذيعين والضيف.

(لمن لم يشاهد الفقرة بإمكانه مشاهدة الفيديو أعلاه، وهذا هو بيان عبد الرحمن يوسف الخاص بالواقعة)

عبد الرحمن يوسف

البيان الذي أصدره عبد الرحمن يوسف اليوم لا يُكذب بالضرورة المعلومات الواردة في التقرير بل يُعلق على بعض تفاصيلها وهو ما كان بإمكان الشاعر أن يفعله على الهواء بكل بساطة، وأن يعبر عن استيائه ولكن بأسلوب أفضل من ذلك! بدلاً من وصف رئيس البرنامج بالكاذب، وقوله "لو المعدين بتوعكم عندهم مشكلة، أنا عندي استعداد أعلمهم يعدوا ازاي"، كما أنه كان سيعلن موقفه أمام الجميع، وينتقد البرنامج أمام الجميع أيضاً إن كان ذلك ما يريده! لكنه لا دافع عن رؤيته، ولا صحح المعلومات التي يزعم أنها خاطئة، بل ربما - إن كان ما يتردد أن ما حدث من قبل عمرو أديب مقصود - هو حقق لمن يريد إغضابه الغرض الذي انتظره! 


عمرو أديب ومصطفى الشردي:

استغربت جداً أن أحداً لم يسأل الضيف عن وجه إعتراضه على التقرير، على الأقل لإحتواء الموقف؟ كيف لا يسألون الضيف "أين الخطأ الوارد في التقرير؟" أو "ما الذي لا يمثلك فيه؟" واستمروا في الدفاع عن البرنامج فقط.. 

واللطيف هو أن مصطفى الشردي يدافع عن المعد الذي اقتبس معلوماته من "ويكيبيديا".. فعلاً؟ ويكيبيديا؟!! أي إعلامي مبتدئ (لسه أبيض يا ورد)، طب بلاش، أي مستخدم للانترنت يعلم جيداً أن "ويكيبيديا" لا تعتبر مصدراً موثوق فيه ويعتمد عليه، وهذا ببساطة لأنه يمكن لأي شخص لديه حساب على موقع ويكيبيديا أن يعدل المقالات المنشورة أو يكتبها بمفرده دون ذكر المصادر، وبالتالي فمستوى الدقة المطلوب ليس موجوداً.. ناهيك عن أمانة وصدق التفاصيل! فبغض النظر عما إذا كانت المعلومات الواردة في تقرير البرنامج/صفحة ويكيبيديا حقيقية أو كاذبة، فلا يجدر أبداً أن يظهر إعلامي مثل مصطفى الشردي أوعمرو أديب يدافع عن المعد الذي استخدم "ويكيبيديا" وكأنها الموسوعة البريطانية أو القرآن المنزل من السماوات.. أظن أن هذه نقطة تحسب ضد البرنامج أكثر منها دفاع عنه!  

(وعن هذا الأمر فصفحة الإعلامية ريم ماجد على ويكيبيديا تذكر أن اسمها بالكامل هو "ريم ماجد ألفريد" وهو أمر غير صحيح! فاسمها الحقيقي "ريم ماجد فوزي السيد" وهو ما ذكرته في حوار لها بمجلة كلمتنا.. كما تذكر إحدى الصفحات المرتبطة بالمطرب عبد الحليم حافظ أن أغنية "راية العرب" من تأليف عبد الرحمن الأبنودي، والحقيقة هي أنها من تأليف صلاح جاهين!.. وغيرها الكثير من الأخطاء والتفاصيل غير الدقيقة الواردة في هذه "الموسوعة")

ولا أعرف إن كان المعد استخدم موقع الشاعر عبد الرحمن يوسف، لكني قمت بكتابة اسم "عبد الرحمن يوسف" في محرك البحث جوجل وكان أول شيء ظهر لي هو موقع الشاعر.. الذي اشتكى في البرنامج أن فريق الإعداد تجاهله. 

وإن كان عبد الرحمن يوسف انفعل جداً، وافتقر للباقة والمنطق في حديثه، بل وقال أن بإمكانه ترك البرنامج.. فلم يكن يصح أن يقول له عمرو أديب "خلاص ممكن تمشي"، بل ويعقب بعد أن ذهب قائلاً "ورقك هنا. هنبقى نبعتهولك!" 

وفي النهاية.. 

حالة الزخم والإنتفاح المهول التي اجتاحت مختلف الوسائل الإعلام المصرية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.. وحالة "الإنتفاخ" التي أصابت بعض الإعلاميين وغيرهم.. تسببت في الرغبة بالتشبث بالحرية مهما كانت مستوياتها، وتسببت أيضاً في بعض الإرتباك، فكثيراً الآن ما نسمع المذيع على الهواء يردد كلمات "طبقاً للمهنية الصحفية" مثلاً، أو كثيراً ما نجده يحث الضيف "قول، قول كل حاجة، دلوقتي خلاص!" ويكون الضيف على علم بأسرار لا يمكنه الإدلاء بها على الهواء مباشرة، كالمرة التي تجاهل فيها الدكتور أحمد عكاشة، دكتور الطب النفسي، سؤالاً من لبنى عسل مقدمة (الحياة اليوم) عن أسماء مسئولي النظام السابق الذين زاروا عيادته للاستشارة، أو المرة التي استضاف فيها عمرو الليثي في برنامج (في الميدان) اللواء شفيق البنا، رئيس الإدارة المركزية لسكرتارية حسني مبارك سابقاً، والذي رفض ذكر التفاصيل رداً على سؤال من الليثي عن "مواقف سخيفة كانت تحدث داخل مقر الرئاسة" وكانت الإجابة العامة التي أدلى بها البنا هي أن جمال مبارك كثيراً ما اتصل برؤساء الدول الأخرى، وخاصة الدول العربية، ليطلب منهم "الهدايا."

الخلاصة.. ما حدث في برنامج (القاهرة اليوم) هو جزء هذه الحالة الإعلامية التي نعيشها، التي تتسم بالجرأة الزائدة أحياناً، وبمسايرة التيار أحياناً، وبالحرية المطلوبة أحياناً أخرى، وكثيراً ما يتخللها الإنفعال.. لكني أتمنى أنه عندما يأخذ كل شيء وقته نصل لنقطة الحرية المطلوبة وإلى الحالة المتزنة التي تجعل من وسائل الإعلام أدوات كاشفة للحقيقة مع الإلتزام بالدقة والأمانة والعدل والشمولية.. (والذكاء والثقافة والأدب!)    

الأربعاء، 22 يونيو 2011

باكل لما..


شيرين في فيلم (بخيت وعديلة)
 تدوينة رقم 5 في سلسلة تدوينات الضياع..


باكل لما:

- أكتب مقال جديد.. وأحس إنه غبي
- أكتب تدوينة جديدة.. وأحس إنها ضايعة
- أشوف واحدة زي مونيكا بيلوتشي
- أكون مستنية
- بتفرج على تيمور وشفيقة
- مابقاش فاهمة الناس بتوع السياسة بيقولوا ايه
- أبقى مش عارفة أقرر
- أبقى مش عارفة أرد على سؤال: انتي رأيك ايه؟
(على فكرة ده بيفكرني بقصيدة محمود درويش.. دوس هنا)
- مابقاش عارفة إزاي أنظم الستين ألف حاجة اللي ورايا
- أبقى هسافر.. يعني هركب طيارة..  
- أبقى مش عارفة أقول ايه
- أبقى في حالة إني "مش عارفة"
- أبقى عايزة أعمل حاجة.. ومش بعملها.. 
- أكتشف فجأة (و"تنوّر في مخي") إن الحاجة الفلانية اللي قلتها حاجة غبية جداً
- ماعرفش أرد في ساعتها

- لما بتوتر
- لما بحس "ياكّش تولع" 

الثلاثاء، 21 يونيو 2011

وفاتت المغربية..



غنى عبد الحليم الحافظ (موال النهار) في أعقاب هزيمة 1967، غنى حزيناً على بلاده الصبية الجميلة.. الذي جاءها نهار لم يقدر على دفع مهرها.. وغاب منكسراً خلف ظلال المغربية التي نزلت تسكن الدنيا بعد النكسة.. غنى حزيناً على سقوط الوطن الذي شدا قبل ذلك من أجله "بالأحضان يا مصانع، يا مزارع.. بالأحضان يا حصاد الثورة، يا حلم وعلم.." (أغنية "بالأحضان"، كلمات صلاح جاهين، ألحان كمال الطويل، عام 1961).. واليوم، في ذكرى ميلاد العندليب الثانية والثمانين، يرن موال النهار وحده في أذني، يسكنني بألحانه التي تمس أوتار القلب، تدق حجرات الذكريات، يصاحبني بكلماته الحزينة، العذبة، التي ترفض الإنهيار، وتعد بالأمل..


(موال النهار) من تأليف الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، الذي كتب مجموعة من الأغنيات الحماسية غناها عبد الحليم من مبنى الإذاعة والتلفزيون أثناء حرب 1967 مثل "ابنك يقول لك يا بطل"، و"اضرب.. اضرب"، وعندما أذيع خبر الهزيمة كتب الأبنودي "عدى النهار"، ويقال إنه ألفها في حضور عبد الحليم، وعندما وصل إلى عبارة "أبو النجوم الدبلانين" توقف حائراً فاقترح عليه عبد الحليم أن يكتب بعدها "أبو الغناوي المجروحين" واستكمل الأبنودي تأليف الأغنية التي لحنها بليغ حمدي، وغناها عبد الحليم بعد ذلك في الاستوديو يستهلها في هدوء بالكلمات الشهيرة "عدى النهار.. والمغربية جاية.."

تذكرتها اليوم في ذكرى ميلاد العندليب.. فقد فاتت المغربية.. فاتت المغربية الطويلة جداً، التي ماتت خيوط ضوئها الخافت على مر السنين، وتركتنا في ظلام دامس ظننا أننا لن نخرج منه أبداً.. ثم هلّ الفجر المنتظر مع ثورة الخامس والعشرين من يناير، ومصر اليوم تولد من جديد – وإن كانت ولادة طويلة، متعسرة بعض الشيء، ولا نعرف كيف سيكون المولود، أو متى سيخرج لينير الدنيا أخيراً، وماذا سيفعل بنا – لكن الكثير منا يشعر أن مجيئه أمر جدير بالأمل والتفاؤل، والكثير من العمل..

وبلدنا اليوم.. كما تمناها حليم والأبنودي وبليغ حمدي..

تحلم ببكرا.. واللي هيجيبه معاه.. تنده عليه في الضلمة.. وبتسمع نداه.. تصحى له من قبل الأدان.. تروح تقابله في الغيطان.. في المصانع والمعامل.. والمدارس والساحات..

كل الدروب واخدة بلدنا للنهار.. واحنا بلدنا للنهار.. بتحب موال النهار.. لما يعدي في الدروب.. ويغني قدام كل دار..

الاثنين، 20 يونيو 2011

يوم التدوين ضد التحرش الجنسي..



مش جاي، صدقيني مش هييجي!
يا قطة
ايه الـ ***** الحلوة دي
تبيعي الموبايل يا آنسة؟ بس تعالي يا آنسة، تبيعي الموبايل؟
يا أبويا على الـ *****
يا عسل
ما تيجي
ماجبتش أخوك معاك ليه يا سييييد؟!
تحيا مصر..

* لم أرد الكتابة عن الأسباب، أو التحليلات، أو الحلول.

* ولم أرد المطالبة بأي شيء لأن المطالبة من مكاني هنا لن تؤدي إلى أي شيء

* ولم أرد الحكي عمن كان يعض على شفتيه في بطئ، وينظر لي طويلاً في "الأتوبيس" نظرات تشعرني أن لا شيء في الدنيا يمكن أن يسترني لحظتها، رغم أنه لم يكن يظهر مني شيء.. أو من همس في أذني بتعبير لم أسمعه من قبل، أو من كاد أن يصطدم بي "بالغلط"، فكل ذلك لا يهم أحد، ولن يضيف إلى سلسلة حكايات التحرش، ولن يغير أي شيء. 

*ولم أرد الحكي عن أمنياتي بركوب الدراجة في شوراع القاهرة، كما قالت إحدى الفتيات، أو أمنيتي بقول "صباح الخير" دون أن أعطي إيحاء غير مستحب لأحدهم، أو أمنيتي بالمشي في الشارع دون قلق.. حتى وإن كنت أتمنى ذلك كله.

* أو الحكي عن أني لم أعد أعرف ماذا أرتدي وماذا أشتري من ملابس.  

* أو الحكي عن شعوري بأني مستباحة من عيون الجميع.

* أو عن شعوري أني أصبح فجأة مجرد كومة لحم.. وأن كل ما رباني عليه أبي يصير رماداً محترقاً بلا قيمة في كلمة واحدة، في نظرة واحدة عندما يهين أحدهم ابنته.

* لم أرد الحكي عن النص الطويل الذي كتبته بالإنجليزية منذ بضعه أيام وتركته في مكتبي لم أفتحه مرة أخرى. كان عنوانه "أحياناً أكره كوني أنثى" .. أكره شعري، أكره لون بشرتي، أكره شفتاي، أكره إنحناءات جسدي.. أكره كل شيء.

* أو الحكي عن الشعور الذي ينتابني بالرغبة في الإختفاء تماماً خلف ذلك النقاب الأسود، الإختفاء حتى الغرق في الأسود فأستطيع متابعة الجميع من خلف ذلك الغشاء الداكن كما تابعوني هم دائماً، لكني اليوم أنتقم، أتابع ولا يمكن لأحد أن يجد في ما يتفصحه.

* لم أرد أن أحكي عن كل هذا لأني كنت أشعر بشيء من التكرار.. و"البواخة".. والأنانية.. ويبدو أني في النهاية حكيته كله.. لكني في البداية أردت كتابة الآتي:  

  - إرتفاع معدلات التحرش والإغتصاب بجنون هو إهانة ضمن سلسلة إهانات في مجتمع يعاني بأكمله من الذل والهزيمة والجهل، في زمن يقهر الرجل.. ربما قبل أن يقهر المرأة

- لست ضد التدوين عن الأمر.. لست ضد التصدي لظاهرة التحرش.. لست ضد ما تدعو إليه كل الفتيات.. لكن المشكلة لا تنحصر فقط في الكلمة التي يقولها الرجل للمرأة، أو في لمسه لها.. أشعر دائماً أنها أكبر من ذلك، أنها إنعكاس لحال مجموعة من البشر.

(كما أننا نهمل الطبقة التي تعاني فعلاً وبشكل حقيقي من هذه المشكلة.. وهي الطبقة المظلومة دائماً.)


- وأثناء متابعتي اليوم للمناقشات على (تويتر) رأيت من قال أن الحجاب والتزمت هو السبب، ومن قال أن الفتيات "بما يفعلنه" هن السبب، ومن قال أن الابتعاد عن الدين هو السبب، ومن أوكل الأمر للفقر، ولتأخر سن الزواج، وللجهل، وللإعلام، وصمت المتحرش بهن، والتهاون في تطبيق القانون.. يتعاركون أكثر مما يتناقشون، يسبون بعضهم أحياناً، و"يتمنظرون" على بعضهم أحياناً، و"يفتوا" أحياناً كثيرة.. سكت، وسيبتهم، وجيت كتبت الكلمتين دول.

لمن يهمه:

الأحد، 19 يونيو 2011

أرجوك استخدم مخك. شكراً!


(التدوينة الثانية من حملة التدوين اليومي) 

"أرجوك استخدم مخك. شكراً!" 
هذا هو عنوان صفحة جديدة على(الفيس بوك) ووجدته ملخصاً للكثير من الأحاديث والآراء، تماما كشعار قناة التحرير "الشعب يريد تحرير العقول!" وإن كنت أرى أن شعاراً كهذا يُحمل القناة مسئولية مهولة لتحقيقه، فهي لا يجب عليها فقط الإلتزام بالدقة والأمانة والعدل والحقيقة بعناية فائقة، ولا أن تختار مجموعة من أمهر المحررين، والمذيعين، والمراسلين فحسب، ولكنها أيضاً هي تخاطب شعباً عاش جزء كبير منه مُضللاً على مدى السنين والعقود، وعاش جزء آخر أكبر جاهلاً غير عارف بأي شيء بسبب سوء حال التعليم، وسوء حال مستوى المعيشة الذي يجعل الأكل والشراب والملبس الأولويات الأولى التي يدخل الإنسان في معركة يومية لتأمينهم وياليته في النهاية يستطيع أن يعيش حياة كريمة. ففي رأيي الإعلام الذي يريد تحرير العقول لن يصل إلا لطبقة معينة في المجتمع تتمع بدخل مادي معين، ولكنه لن يصل ببرامجه الوثائقية، ولقائاته مع العديد من الجهابذة في مختلف المجلات، وتحليلاته اللانهائية إلى الطبقة التي تعيش كل يوم بهدف تأمين اليوم التالي، أو التي تعيشها "مستورة والحمد لله" ولكنها تأتي في نهاية سلسلة أجيال تخرجت في المدارس الحكومية التي تجعل الطالب – كتر خير ربنا – يستطيع كتاية اسمه ويستطيع فك الخط.  
فعن "تحرير العقول" نحن ملزمون، وبلا أي مفر، بتحرير الناس من الذل والفقر أولاً، فعلينا أن نؤمن لهم مسكناً كريماً، ودخلاً معقولاً، وتعليماً ينير الفكر ويهذب الروح، ثم نأتي لنحرر العقول، وهي مهمة شاقة جداً.  
وعن "استخدم مخك. شكراً" فهذا لمن يعيش الحياة الكريمة، ويتلقى التعليم الجيد، لكن مصدر معلوماته الوحيد هو برامج "التوك شو" ومقالات الآراء في الجرائد (إن قرأها كاملة!)، والمشاركات المختلفة على (الفيس بوك) و(تويتر) و(يوتيوب)، لكنه غير مهتم بقراءة الكتب مثلاً في مختلف المجالات السياسية والتاريخية والثقافية وكل ما قد تتطرق إليه أحاديث الفترة الحالية، وبالتالي فهو لا يملك خلفية ثقافية من المعلومات والأفكار التي يستطيع أن يقارن ما يقال كل يوم بها، ويستطيع أن يحلله، ويفهم تفاصيله.. وبالتالي ليس أمامه خيار في العادة إلا تصديق من يظهر على شاشة التلفاز، لأنه "محترم" أو "شكله بيفهم" أو "بيتكلم كويس" أو "مثقف" وهذا ليس تقليلاً من دور الإعلاميين والصحفيين بل على العكس، ولكن لتكتمل المعادلة يجب أن يكون المتلقي على نسبة معينة من الوعي والثقافة، وإلا فلا فائدة في النهاية. 
فأرجوك استخدم مخك، أرجوك عندما تسمع مصطلح لا تعرف عنه شيء ابحث عنه في "جوجل" واقرأ أكثر من مصدر يتحدث عنه (خالد الخميسي تحدث عن هذا الأمر في مقال رائع في جريدة الشروق اليوم، من هنا)، عندما تستمع لمن يمدح محمد البرادعي، استمع لمن ينتقده، واقرأ أكثر من البرادعي واقرأ ما يكتب هو، واستخدم مخك، ولا تنقل كلام بلال فضل أو فهمي هويدي أو نهى الزيني أو محمد سليم العوا أو محمود سعد أو ريم ماجد دون أن تكون أنت شخصية قارئة تستطيع تحليل كلام كل هذه الشخصيات وتكوين رأيك في النهاية.*

يعني.. لا تجعل عقلك يستقبل وينقل فقط، بل ينقد ويتفاعل (كما يوضح الفيديو أعلاه :)

* مع كامل الإحترام لكل هذه الشخصيات. 

السبت، 18 يونيو 2011

كلاكيت أول مرة: حملة التدوين اليومي


قررت أن أمسك بزمام أفكاري وأبدأ حملة تدوين يومي لمدة ثلاثين يوماً، وقد استوحيت الفكرة من أحمد الفقي، زميلي في مجلة (كلمتنا)، الذي يدون كل يوم في مدونته Un Journlaiste كجزء من حملة تدوين يومية أطلقتها مجموعة من المدونين في بداية شهر يونيو، وشجعتني على الفكرة صديقتي العزيزة سارة.
ولأني لا أعرف كيف ستكون أيامي حتى الثامن عشر من الشهر المقبل، فلا أعرف كيف سيكون شكل هذه الكتابات، غير أني أستطيع القول أنها لن تكون سياسية، ليس فقط لأني لم أبدأ فعلياً متابعة دنيا السياسة إلا مع الصخب السياسي الذي اجتاح حياتنا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، ومازالت أفكاري تتحسس خطاها فيه، ولكن أيضاً لأني أعتقد أنه يكفينا ما نتعرض له كل يوم من تحليلات ومناقشات ومقالات وفيديوهات على (اليوتيوب) وأسئلة على (الفيس بوك)، ورغم أن هذا كله مهم، لكني لا أظن أننا ننتظر أفكار ريم السياسية التي مازالت تتكون، ومن قال لا أدري فقد أفتى.
لكني أستطيع أن اقول أني قد أكتب مرة عن شيء شاهدته في الشارع، ثم عن أمر استوقفني في دنيا الإعلام، ثم عن حديث مع شخص لم أكن لأقابله، وربما أكتب عن كتاب، أو فن جديد.. حتى أكمل الثلاثين يوماً وأنجح في مهمة الاستمرار في الكتابة.. فهذا الأمر هو حلم يراودني منذ كنت في الصف الأول الثانوي.. كنت ما أزال في أيرلندا، وكان يُسمح لنا بالخروج من المدرسة وقت "الفسحة" لأن مدرستنا كانت صغيرة وتقع في وسط المدينة، فكان الكثير من الفتيات يخرجن لتناول الغداء، وبما أني لم أستطع تكوين صداقات فكنت كثيراً ما أقطع الشارع وأدخل المكتبة العامة أقضي بها حوالي نصف الساعة، وفي يوم تناولت كتاباً اسمه "كيف تكتب القصة" وعندما جلست لأقرأه في غرفتي في البيت توقفت عند صفحات بها حكايات الكتاب المشهورين مع الكتابة، وكانت من بينهم جي كي رولينج، صاحبة سلسلة (هاري بوتر) الشهيرة، وجاكلين ويلسون، كاتبة الأطفال الإنجليزية، التي تعرفت على قصصها عندما سافرت إلى أيرلندا لأول مرة وأنا في العاشرة من عمري، فأسرت خيالي كله، والتهمتُ كل ما كتبت، وكل ما كان يصدر لها من كتب جديدة، ولم أكن لأشبع من حكاياتها أبداً، بل أذكر أننا الفتيات في الصف (كانت أغلب المدارس في أيرلندا غير مختلطة) كنا نتسابق للحصول على كتاب جاكلين ويلسون الجديد الذي ينضم إلى المكتبة، وكان حظها الأسوأ تلك التي استعارت كتاباً قبل وصول الكتاب الجديد مباشرة، فلن تسمح لها المعلمة بإعادته للمكتبة لأنها بالتأكيد لم تقرأه، والمحظوظة بالطبع هي من قاربت على إنهاء الكتاب الذي كان بحوزتها، فتنهيه سريعاً وتأتي صباح اليوم التالي تستبدل الكتاب المقروء بكتاب ويلسون بمجرد أن تدخل المعلمة إلى الصف، وتكون هي أول من تمر على حروف هذا الكتاب الساحر (وساعات تبقى رخمة وتقعد كتير تقراه، قال يعني بقى بتتمعن - وتغيظنا..)
عندما رأيت صورة جاكلين ويلسون لأول مرة في كتاب كيفية كتابة القصص تفاجأت جداً، تماماً مثلما تفاجأت عندما رأيت أبلى فضيلة لأول مرة، ولم أقتنع بها واحتفظت دائماً بالصورة التي رسمتها لها في مخيلتي منذ الطفولة، وظهرت لي ويلسون فرأيت سيدة كبيرة السن ذات شعر قصير أبيض، ووجه ظهر فيه مرور الزمن بين كرمشة في الجبهة وحول العين، ترتدي قميصاً أسوداً غير مميز، وتضع خواتماً كبيرة ملونة في أغلب أصابع يديها.. ولكنها كانت تبتسم وفي عينيها - خلف النظارات الدائرية - شغف لامع، ذكاء خفي، وطفولة ضاحكة.. وتحت الصورة قرأت أنها كانت تكتب كل يوم، حتى وإن لم تجد ما تكتب عنه، تكتب أي شيء، وكانت تحدد لنفسها عدد كلمات معين، وليكن 400، وتعزم على الكتابة كل يوم بغض النظر عما تنتجه، وبغض النظر عن وجود فكرة جذابة أو لا، أو توفر الرغبة من عدمها، قائلة أنها قد لا تشعر بأهمية ذلك اليوم ولكنها بالتأكيد ستجني ثماره في المستقبل. 
ومؤخراً قرأت حديثاً للكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي فوجدتها تقول – وهي تفضل تسمية نفسها أكثر بالحكاءة بدلاً من الأديبة أوالكاتبة – أنها كانت تحكي لأحد أطفالها حكاية كل يوم، وكانت كثيراً ما تضطر لتأليف الحكاية، فكان ذلك يومياً يغذي خيالها وأفكارها، ويطور تفاصيل الحكاية وكيفية سردها على مر الوقت.
وبسبب كل هذا قررت أن أكتب يومياً (وأن أنشر ما أكتب في مدونتي لأستفيد من التعليقات المختلفة)، فأظن أني لن أتراجع عن مهنة الكتابة بعد كل هذه الأعوام من الاستمرار في رغبة تحقيقها (إلا إذا حدث شيء وأعدت إكتشاف نفسي من جديد.. وربما حتى حينها لن أستطيع التخلي تماماً عن الكتابة)

وتوكلنا على الله نبدأ الـ 30 يوم..    

ملحوظة: لم يطاوعني قلبي أن انهي كلامي دون أن أذكر كاتب الأطفال الأيرلندي الرائع رولد داهل، فقد تحدثت كثيراً عن جاكلين ويلسون لأنها كانت الأقرب إلى قلبي، ولكن رولد داهل كان رائع أيضاً، وقد وجدت كتبه في مكتبات الشروق في مصر.. من أشهر ما كتب "جيمز وحبة الخوخ الضخمة"، "ماتيلدا"، "تشارلي ومصنع الشوكولاتة"، "العملاق الكبير الودود The Big Friendly Giant" وغيرها من الحكايات.

ملحوظة 2: لم يطاوعني قلبي مرة أخرى بعد الحديث عن رولد داهل ألا أذكر الكتاب الذي أصدرته دار الشروق مؤخراً تحت عنوان (ديوان شوقي للناشئة) لأمير الشعراء أحمد شوقي، هو ديوان جميل حقاً به الكثير من قصص الأطفال المكتوبة كلها بالأبيات الشعرية، بعضها مضحك، وبعضها يحمل حكمة أو درس، ومنها الكثير الذكي جداً، والذي يعمل على فكر وخيال القارئ، ويعطيه المتعة والإبتسامة.

ملحوظة3: ربما يجدر بي القراءة عن أدب الأطفال والكتابة عنه!

الاثنين، 6 يونيو 2011

الدكتورة سامية محرز: تراجع اللغة العربية سياسة تعليمية متعمدة


د. سامية محرز. الصورة من أرشيف الجامعة الأمريكية بالقاهرة

حوار: ريم جهاد 

تتحدث الدكتورة سامية محرز، أستاذ الأدب العربي الحديث بالجامعة الأمريكية في القاهرة، ومدير مركز دراسات الترجمة بالجامعة، عن حال اللغة العربية اليوم، تلقي الضوء على أسباب تراجعها وسبل مواجهة هذه المشكلة في هذا الحوار الخاص مع (المستقلة).. 

بداية ما السبب في تدهور اللغة العربية اليوم في رأيك؟
لا يجوز قول أن هناك لغة تدهورت، هذا كلام مغلوط، فاللغة هي كائن حي يتطور دائماً ولا يفسد، ولا يصح أن نظل نحاسب أنفسنا ونحاسب الشباب على أنهم طوروا اللغة واستخدموا مصطلحات جديدة أو أدخلوا على اللغة تعبيرات جديدة أو قاموس جديد مرتبط بالعالم الذي يعيشونه. لذا يجب أن نطرح فكرة التدهور جانباً، ولكن مع ذلك نحن مسئولون عن عدم وصول هذه اللغة إلى متلقيها بالشكل اللائق، بل في الحقيقة لقد أصبحنا لا نريدها.

وما الذي أدى بنا إلى هذه الحال؟
أقول: إن الفجوة التي حدثت والجفاء الذي أصبح موجوداً بين مستخدمي اللغة العربية، الدولة هي المسئولة عنه بالدرجة الأولى. الأمر متعلق بالسياسات التعليمية، وهي سياسات مدبرة ومتعمدة، والدليل على ذلك هو أننا عندما نلاحظ المدارس، وبالذات المدارس الخاصة التي تعد صفوة البلاد من الطلاب، نجد أن أنه سمح لها أن تجعل من اللغة العربية لغة إختيارية. والدولة جعلت التعليم سلعة ولذلك نجد هناك عدداً هائلاً من هذه المدارس استطاع أن يحصل على أذون بالعمل في الساحة المصرية دون أي إلزام لأصحابها بتدريس مناهج اللغة العربية.
الأمر الثاني هو: عولمة مجال العمل، وتمني شبابنا باستمرار أن يكونوا جزءاً من هذا التدويل ليعملوا في شركات أجنبية ويتقاضوا مرتبات أفضل، وهذا جعل الأهل والأبناء يفضلون أن يجيد الشباب اللغات الأجنبية ويهملوا في المقابل مدى قدرتهم على استخدام اللغة العربية. إذن فالأهل أيضاً مذنبون في حق الأبناء لأنهم تسببوا في هذا الإهمال ولم يقدروا على جعل أبنائهم جزءاً من هذه العولمة مع الحفاظ على هويتهم اللغوية القومية.
الأمر الثالث هو: مسئولية الإدارات التعليمية في مصر عن طرائق تدريس اللغة العربية حيث إن هناك عملية تغريب للطالب في لغته، فأساليب تعليم هذه اللغة يجعل منها عملية معضلة، بل يجعل منها عملية مستحيلة، فمواد المطالعة بها إختيارات صعبة أحياناً على الأطفال، وحتى على الشباب الذي يقول "بسم الله الرحمن الرحيم" (أي المبتدئين) في الإرتباط باللغة.
وعلاوة على ذلك أبوية وذكورية تعليم اللغة فدائماً نجد النصوص تطالب الأطفال بالطاعة وتتعامل معهم بإعتبارهم أغبياء ويجب أن يظلوا أطفالاً مدى الحياة، وأصبح الطلبة اليوم يقارنون بين الكتاب الإنجليزي وتعامله مع ذكائهم وبين الكتاب العربي وبالتالي يفضلون بالطبع قراءة النص الإنجليزي لأنه يتعامل مع الطالب على إعتبار أنه إنسان ذكي وليس الطفل الذي لن يكبر أبداً.

إذن دعينا ننظر لكل سبب من هذه الأسباب. أولاً ماذا تقصدين بالسياسة المدبرة؟ وما السبب وراء ذلك؟
أولاً: إن الدولة تسعى لتكون جزءاً من مسيرة العولمة. ثانياً: فإنه في مواجهة "أسلمة المجتمع" كان هناك تنازل عن الهوية اللغوية بمنطق أننا لو علّمناهم الإنجليزية سيصبحون "خواجات" وسيبتعدون عن التطرف وعن الأفكار المظلمة وما إلى ذلك. ويمكن أيضاً أن ننظر للأمر من منطلق تغريب الصفوة عن الشعب ليصبح هناك فجوة كبيرة بين الصفوة والشعب. 

وماذا عن اهتمام الأهل باللغة الأجنبية لتأمين مستقبل أبنائهم في مجال العمل المعولم؟ ألا يمكن أن يكون هناك سبب آخر كفقدان الشعور بالإنتماء من جانب الأهل مثلاً؟
أعتقد أن الأهل يبحثون عن مستقبل أولادهم ويرغبون بتوفير أحسن تعليم لهم، وأحسن تعليم اليوم هو الذي يؤهل للدخول في مجال العمل المعولم وطبعاً الأهالي يسعون إلى ذلك. 
 
وما رأيك في دور الإعلام في هذه المشكلة؟ الكثير من الإعلاميين مثلاً لا يجيدون اللغة العربية كما أن المسئولين يظهرون على الشاشة ويتحدثون غالباً بالعامية وبأسلوب غير متماسك في الكثير من الأحيان؟
هنا نأتي لمشكلة الخطابة، ولا يمكن أن يكون كل من يظهر على التلفاز يجيد الحديث! ولا يمكننا أن نجمع أن كل الإعلاميين لا يستطيعون الحديث بالعربية، ولكن المشكلة في الحقيقة هي أننا رُدمنا بتراب القنوات الرديئة، وإذن فهي توظف شخصيات رديئة مستواها اللغوي رديء، ولكن في القنوات المحترمة نجد المستوى اللغوي عند المذيعين والمذيعات مقبولاً للغاية. والمشكلة الآخرى بالنسبة للإعلام هي برامج تعليم اللغة العربية على التلفاز التي تجعل أي شخص يكره حياته! فمن المفترض أن تُوظف الأدوات الإعلامية في توصيل المعلومات بشكل أمتع وأسهل، ولكن للأسف هذا غير موجود بالمرة. 

وفي رأيك كيف يكون تعديل مناهج اللغة العربية التي لا تتعامل مع الطالب على أنه ذكي؟ هل تحتاج لتغيير شامل؟
كلها تحتاج لتغيير كامل، وعندما حاولوا تغييرها للأسف الشديد من خلال المنح التي تتلقاها المؤسسات التعليمية المصرية سواء من أمريكا أو الإتحاد الأوروبي، قاموا بذلك بأسلوب أعمى يعتمد على التقليد وهو الأمر الذي يزيد الطالب إغتراباً، ولذلك يجب تغيير المناهج تماماً والبدء من الصفر من منطلق أن الطلبة مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات، وأنهم أذكياء وسيكبرون ونحن نساعدهم على ذلك ولا نجعلهم مجرد عبيد. إن كان ذلك هو مبدأ التعليم فسنحسم طبيعة محتوى المناهج وكيفية تدريسه. 

وهل لديك أية إقتراحات عملية لتطوير المناهج؟
هناك مثال بسيط جداً وهو عندما نريد تعليم الأطفال الحروف الأبجدية ونقوم بتحفيظها إليهم بالأسلوب المعروف المكرر "ألف.. باء.." ونطلب منهم التسميع مراراً، بينما يمكننا أخذ منظومة الحروف وإدخالها مباشرة في كلمات مهمة وليس "سوسو" و"لولو" و"نلعب في الحديقة" وأشياء خاوية من المعنى، بل نعلمهم كلمات مهمة في حياتهم الحقيقية.

وما رأيك في وجهة النظر التي ترفض تعليم القواعد بشكل مكثف ومنفصل عن نصوص المطالعة والأدب والتي تنادي بضرورة إلمام الطالب باللغة كاملة والنفاذ إلى روحها عبر القراءة الوافية للنصوص الجيدة ومن ثم توظيف قواعد النحو في القراءة والكتاب لاحقاً؟
هذا أمر أكيد، وخاصة في المراحل الأولى من التعليم وللأسف الشديد نحن نطالب الأطفال بأصعب الأشياء في مقتبل حياتهم التعليمية فمثلاً عندما يكون عمرك سبع سنوات ويطالبوكِ بأوزان الفعل، هذا شيء تجريدي ولا يستطيع طفل صغير استيعابه. فيجب فعلاً تعليم القواعد عبر الممارسة والمطالعة المستمرة سواء بالقراءة أو الاستماع ثم في مرحلة متقدمة عندما يكبر الطلاب قليلاً ويصبح لديهم ألفة مع مفردات اللغة وقواعدها البسيطة التي تتكرر باستمرار أمامهم يمكن حينها تغذيتهم بالمفاهيم الأكثر تعقيداً. 

وفي النهاية ماذا تقولين عن أهمية أن يتقن الناس لغتهم؟
إن اللغة هي وعاء الإنتماء فأنا إن لم أعرف لغتي لا أنتمي لأن اللغة مرتبطة إرتباط وطيد بالمكان، فإهمالنا لهذه اللغة يعني أننا نخلق أجيالاً من الشباب لا علاقة لهم بهذا البلد وهذا شيء مرعب، ولكن بالطبع الثورة بينت لنا أنه بالرغم من هذا الاغتراب مازال هناك الملايين الذين يرتبطون ببلدهم ومكانهم وهويتهم القومية، وأعتقد أن الذي حدث سيكون دفعة تجعل لدى الشباب الإحساس بالفخر والإعتزاز الذي كان منعدماً، ومن هنا سيتغير موقفنا من اللغة بالتأكيد. 


- نشر بجريدة (المستقلة) 
الصادرة عن طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة
بتاريخ 23 مايو 2011

محمد محسن وفرقته.. أغان تعبر عن الأرض والشعب

محسن والفرقة في وكالة الغوري. تصوير: محمد عز الدين

كتبت ريم جهاد

يغني بصوت دافئ، قريب من القلب، ينفذ إلى أعماق الروح فيعيدها لزمن توجناه بلقب "الزمن الجميل" ثم نسيناه ليغطيه التراب في أدراج ذكرياتنا، وأخذتنا الأيام الجديدة في سرعتها، وصخبها، وأغانيها التي يطربنا بعضها، ويتركنا البعض الآخر، أو الكثير الآخر، نتساءل عن معناها، ونحتار عند تقفي مواطن جمالها.
يتخذ المطرب الشاب محمد محسن وفرقته الموسيقية التي أنشئت منذ حوالي عامين، مساراً مصرياً شرقياً في تقديم أعمالهم الغنائية، وذلك بهدف العودة إلى التخت الشرقي، الذي يضم آلات مثل العود والقانون، والرق، والذي يعبر عن الواجهة الموسيقية لهذا البلد، كما يقول محسن، ويعبر كذلك عن أرضها وشعبها.
غنى محسن لثورة الخامس والعشرين من يناير، غنى لمصر الصبية الجميلة الحزينة، والصابرة، في أغنية من ميدان التحرير بعنوان (لو يطول الليل) قال فيها "كل أحبابها الليلة دي جابوا مهر ودبلتين.. والعروسة لمين تنادي إلا للشعب الحزين.." ويبوح لها بإخلاصه في أغنية أخرى "يا مصر يا بلدي يا ضلع من ضلوعي.. إن يوم شرخك زمانك، دمي يسقي طريق رجوعِك.." ويغني محسن لمحمد عبد الوهاب "كل ده كان ليه" ولسيد درويش "أهو ده اللي صار" وللشيخ إمام متسائلاً "البحر بيضحك ليه؟"
ويصف الفن اليوم، وتراجع طابعه المصري والعربي، قائلاً أن هناك تدني في الذوق في العام بسبب الأنظمة المتعاقبة التي لم تولي إهتماماً كافياً للتعليم على سبيل المثال، وأصبح الناس ينسون تراثهم الذي يعبر عنهم، وتاريخهم، مضيفاً "أصبحنا نستورد الأفكار من الخارج، ونقلد الغرب في أساليب التوزيع الموسيقي، وأيضاً عندما أدخلنا الجيتار الإلكتروني على موسيقانا." ويبدي محسن إهتمامه بكلمات الأغاني التي يقدمها قائلاً أنه يرى أن الكثير من كلمات الأغاني الحالية أصبحت مستهلكة وخاوية من المعنى، وتفتقد للشعر الجميل، كما يقول أن الفرقة تختار كلمات أغانيها بعناية فائقة وتكون الأغاني عادة من تأليف شعراء شباب لم يأخذوا حظهم من المعرفة الإعلامية مثل أحمد العايدي، ومايكل عادل، ومصطفى إبراهيم، ومحمد السيد، الذين يقول عنهم محسن "نحن عندما نقدم أغان لسيد درويش، والشيخ إمام والشيخ زكريا أحمد والشيخ سيد مكاوي، فنحن نقدم أغان ألفها شعراء مثل بديع خيري، وبيرم التونسي، وأحمد فؤاد نجم، ونجيب سرور، وبالتالي عندما نريد تقديم أغانينا الخاصة نريد فعل ذلك عن طريق شعراء شباب يُعتبرون إمتداداً لهذه المدارس العظيمة التي تحتاج قارئ جيد ومثقف."
يقدم محمد محسن وفرقته حفلاتهم في أماكن مختلفة بمنطقة القاهرة التاريخية مثل وكالة الغوري، وبيت السحيمي، وبيت الهرواي، وغيرها من الأماكن التابعة لصندوق التنمية الثقافية، التي تذكر أيضاً بالتراث كما يقول محسن وتضفي على الحفل جواً دافئاً وأثرياً، والفرقة على الرغم من هذا الطابع الخاص الذي تحمله إلا أنها تواكب العصر أيضاً حيث لها صفحتها الخاصة على موقع (فيس بوك) بعنوان Mohamed Mohsen وأخرى على موقع (يو تيوب). 

نشر بجريدة (المستقلة) 
الصادرة عن طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة 
العدد 18 - بتاريخ 23 مايو 2011