الاثنين، 21 نوفمبر 2011

آمال وطن

سيدة ترفع يديها بالدعاء وسط الاشتباكات في ميدان التحرير - 19 نوفمبر 2011 .. تصوير: عمرو عبد الله، رويترز


اللهم أنت الأعلم أنا لا نريد إلا وطناً لا تهان فيه الكرامة. نريد وطناً ينام فيه الأطفال في بيوت كريمة، لا يحلمون بكسرة خبز أو شربة ماء نظيفة، أو حذاء متماسك، أو دورة مياه متحضرة، أنت الأعلم أنا نريد شارعاً لا تنتهك فيه حرمة المرأة، وأقسام شرطة تعمل لأجل الأمان، وليس للترويع والتعذيب، نريد مدارساً تنويرية، ووزارات مخلصة، وقيادات شجاعة. اللهم أنت الأعلم بالمظلوم والظالم، والخفي والبيّن، فانصر عبادك المخلصين.

الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

طقوس الوجود

جزء من عمل للفنانة لينا عامر بعنوان "مثقلة بتعب الوجوه" - مأخوذ عن صفحتها على موقع فليكر

لا أعرف إن كنت سأنام الليلة.. ثمة شيء صامت يثقل الأجفان.. شيء متعب، منهك، ناعم.. ولذيذ.. ثمة هدوء يغمر القلب، وحنين يخيم على الذكرى.. كل ذكرى.. وترقب يعلو الجو بخفة، لا تلمسه، ولا تراه تماماً، لكنه موجود، يتسلسل خلسة بين الأنفاس.. ولا يملأ صدرك..

ولا أعرف إن كنت سأكتب الليلة.. فصوت أصابعي على لوحة المفاتيح يروق لي.. وأنغام الثلاثي جبران على أعوداهم تروق لي أيضاً، ورسالة الصديق التي أرد عليها من خلف صفحة الكتابة تلك فأنفس فيها عن بعض ردودي التقليدية.. بعض تفاصيلي الصغيرة.. وبعض جنوني.. هي كذلك تروق لي..

والشغب يروق لي الآن، ونرجسيتي تروق لي الآن، وأحلامي الرائعة تروق لي الآن.. وسريري الدافئ أيضاً.. ورقصة غبية من رقصاتي الليلية.. وأغنية لبنانية.. قديمة.. وتمشية في منتصف الليل في شوراع القاهرة العتيقة.. العبقة.. الحزينة.. وقصيدة، وحكاية، وأعوام طفولة مضت..

لكن هذا كله ليس له معنى.. ولا يعني أي شيء لي.. أكرره.. وأكتبه كلما أمسكت بالقلم.. لكني لا أدركه.. لا أدركه أبداً..


أنا الطيف الذي يطل بين نظرات عينيّ في المرآة، عندما لا أمعن النظر إلى نفسي.. أنا - ربما - مثل بطلة تلك الأوبرا التي تحب الكثير من حولها، التي ترشف نور الشمس حين تشرق، وتستقبل بكل صفاء عبير زهور نيسان.. لكنها - هي - خاوية من العبير، وخاوية من التفسير، ولا تعرف لنفسها هوية.. وربما تكون الجار الذي يدق على بابك فجأة دون استعدادك..*

أنا من أرتطم بوجودي في أقصى حالات الصخب.. في قاعة تنتفخ بالبشر، تضج بالموسيقى العالية، خشخشة الآلات، ودقات الطبول، ونداءات الأوتار، وصوت يغني دون هوادة، وأياد تصفق، وعيون تتابع أنفسها، وتتابع الجميع، وتتابعني، وتتابعهم، وشفاه تبتسم، وعقول تنكب على نسج الحكايا، وحياكة الأماني، واللذات، وتهريب الصيحات، وتسجيل الذكريات، وتطييب الأحزان، وتزييف صور الحنق والخجل والنفاق، أرجل تأتي وتذهب، وتقوم للرقص، وتتأهب للغياب، وتشير بالقلق، أو الطرب، ضحكة تلو الأخرى، نداء يشد نظرة، وكأس يذيب قلب، ووجود آخر يراقب، وآخر يحيي كل شيء، ولا يراه أحد، ورجل يدخل، يحمل تنورة ملونة في الخاصرة، ويدور، ويدور، ولا يدور الصخب من حوله، بل يصبح هو في صخب يخلقه لذاته، وأنا – فجأة.. أو تدريجياً.. – يملؤني الصمت حيث أجلس، فلا أسمع شيئاً إلا دقات الطبول متواصلة، دئوبة، تئن مع القلب، تصعد مع الروح، لكنها ثابتة، غائرة في صلب الأرض، أسمع وأرى الألوان تتالى، واحدة تلو الأخرى.. أو لا أسمع.. وأنهار.. وأصبح ها هنا.. أخيراً..

ولا أعي ما أنا.. أشعر بالصمت، بتفاهة الحياة، بهدوء وحنان في القلب، وحزن يفيض في الروح.. لكني لا أعرف من أنا.. غير أني أعرف أني لست شيئاً من هذا الوجود.. قد أكون حلماً في خيال أحدهم.. قد أكون شريط ذاكرة لامرأة ميتة.. أو امرأة أخرى تختبئ في أعماقي ولم أحررها بعد.. 

__________

* الأوبرا المقصودة: " لا بوهيم - La Boheme" لجياكومو بوتشيني.