الاثنين، 6 يونيو 2011

الدكتورة سامية محرز: تراجع اللغة العربية سياسة تعليمية متعمدة


د. سامية محرز. الصورة من أرشيف الجامعة الأمريكية بالقاهرة

حوار: ريم جهاد 

تتحدث الدكتورة سامية محرز، أستاذ الأدب العربي الحديث بالجامعة الأمريكية في القاهرة، ومدير مركز دراسات الترجمة بالجامعة، عن حال اللغة العربية اليوم، تلقي الضوء على أسباب تراجعها وسبل مواجهة هذه المشكلة في هذا الحوار الخاص مع (المستقلة).. 

بداية ما السبب في تدهور اللغة العربية اليوم في رأيك؟
لا يجوز قول أن هناك لغة تدهورت، هذا كلام مغلوط، فاللغة هي كائن حي يتطور دائماً ولا يفسد، ولا يصح أن نظل نحاسب أنفسنا ونحاسب الشباب على أنهم طوروا اللغة واستخدموا مصطلحات جديدة أو أدخلوا على اللغة تعبيرات جديدة أو قاموس جديد مرتبط بالعالم الذي يعيشونه. لذا يجب أن نطرح فكرة التدهور جانباً، ولكن مع ذلك نحن مسئولون عن عدم وصول هذه اللغة إلى متلقيها بالشكل اللائق، بل في الحقيقة لقد أصبحنا لا نريدها.

وما الذي أدى بنا إلى هذه الحال؟
أقول: إن الفجوة التي حدثت والجفاء الذي أصبح موجوداً بين مستخدمي اللغة العربية، الدولة هي المسئولة عنه بالدرجة الأولى. الأمر متعلق بالسياسات التعليمية، وهي سياسات مدبرة ومتعمدة، والدليل على ذلك هو أننا عندما نلاحظ المدارس، وبالذات المدارس الخاصة التي تعد صفوة البلاد من الطلاب، نجد أن أنه سمح لها أن تجعل من اللغة العربية لغة إختيارية. والدولة جعلت التعليم سلعة ولذلك نجد هناك عدداً هائلاً من هذه المدارس استطاع أن يحصل على أذون بالعمل في الساحة المصرية دون أي إلزام لأصحابها بتدريس مناهج اللغة العربية.
الأمر الثاني هو: عولمة مجال العمل، وتمني شبابنا باستمرار أن يكونوا جزءاً من هذا التدويل ليعملوا في شركات أجنبية ويتقاضوا مرتبات أفضل، وهذا جعل الأهل والأبناء يفضلون أن يجيد الشباب اللغات الأجنبية ويهملوا في المقابل مدى قدرتهم على استخدام اللغة العربية. إذن فالأهل أيضاً مذنبون في حق الأبناء لأنهم تسببوا في هذا الإهمال ولم يقدروا على جعل أبنائهم جزءاً من هذه العولمة مع الحفاظ على هويتهم اللغوية القومية.
الأمر الثالث هو: مسئولية الإدارات التعليمية في مصر عن طرائق تدريس اللغة العربية حيث إن هناك عملية تغريب للطالب في لغته، فأساليب تعليم هذه اللغة يجعل منها عملية معضلة، بل يجعل منها عملية مستحيلة، فمواد المطالعة بها إختيارات صعبة أحياناً على الأطفال، وحتى على الشباب الذي يقول "بسم الله الرحمن الرحيم" (أي المبتدئين) في الإرتباط باللغة.
وعلاوة على ذلك أبوية وذكورية تعليم اللغة فدائماً نجد النصوص تطالب الأطفال بالطاعة وتتعامل معهم بإعتبارهم أغبياء ويجب أن يظلوا أطفالاً مدى الحياة، وأصبح الطلبة اليوم يقارنون بين الكتاب الإنجليزي وتعامله مع ذكائهم وبين الكتاب العربي وبالتالي يفضلون بالطبع قراءة النص الإنجليزي لأنه يتعامل مع الطالب على إعتبار أنه إنسان ذكي وليس الطفل الذي لن يكبر أبداً.

إذن دعينا ننظر لكل سبب من هذه الأسباب. أولاً ماذا تقصدين بالسياسة المدبرة؟ وما السبب وراء ذلك؟
أولاً: إن الدولة تسعى لتكون جزءاً من مسيرة العولمة. ثانياً: فإنه في مواجهة "أسلمة المجتمع" كان هناك تنازل عن الهوية اللغوية بمنطق أننا لو علّمناهم الإنجليزية سيصبحون "خواجات" وسيبتعدون عن التطرف وعن الأفكار المظلمة وما إلى ذلك. ويمكن أيضاً أن ننظر للأمر من منطلق تغريب الصفوة عن الشعب ليصبح هناك فجوة كبيرة بين الصفوة والشعب. 

وماذا عن اهتمام الأهل باللغة الأجنبية لتأمين مستقبل أبنائهم في مجال العمل المعولم؟ ألا يمكن أن يكون هناك سبب آخر كفقدان الشعور بالإنتماء من جانب الأهل مثلاً؟
أعتقد أن الأهل يبحثون عن مستقبل أولادهم ويرغبون بتوفير أحسن تعليم لهم، وأحسن تعليم اليوم هو الذي يؤهل للدخول في مجال العمل المعولم وطبعاً الأهالي يسعون إلى ذلك. 
 
وما رأيك في دور الإعلام في هذه المشكلة؟ الكثير من الإعلاميين مثلاً لا يجيدون اللغة العربية كما أن المسئولين يظهرون على الشاشة ويتحدثون غالباً بالعامية وبأسلوب غير متماسك في الكثير من الأحيان؟
هنا نأتي لمشكلة الخطابة، ولا يمكن أن يكون كل من يظهر على التلفاز يجيد الحديث! ولا يمكننا أن نجمع أن كل الإعلاميين لا يستطيعون الحديث بالعربية، ولكن المشكلة في الحقيقة هي أننا رُدمنا بتراب القنوات الرديئة، وإذن فهي توظف شخصيات رديئة مستواها اللغوي رديء، ولكن في القنوات المحترمة نجد المستوى اللغوي عند المذيعين والمذيعات مقبولاً للغاية. والمشكلة الآخرى بالنسبة للإعلام هي برامج تعليم اللغة العربية على التلفاز التي تجعل أي شخص يكره حياته! فمن المفترض أن تُوظف الأدوات الإعلامية في توصيل المعلومات بشكل أمتع وأسهل، ولكن للأسف هذا غير موجود بالمرة. 

وفي رأيك كيف يكون تعديل مناهج اللغة العربية التي لا تتعامل مع الطالب على أنه ذكي؟ هل تحتاج لتغيير شامل؟
كلها تحتاج لتغيير كامل، وعندما حاولوا تغييرها للأسف الشديد من خلال المنح التي تتلقاها المؤسسات التعليمية المصرية سواء من أمريكا أو الإتحاد الأوروبي، قاموا بذلك بأسلوب أعمى يعتمد على التقليد وهو الأمر الذي يزيد الطالب إغتراباً، ولذلك يجب تغيير المناهج تماماً والبدء من الصفر من منطلق أن الطلبة مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات، وأنهم أذكياء وسيكبرون ونحن نساعدهم على ذلك ولا نجعلهم مجرد عبيد. إن كان ذلك هو مبدأ التعليم فسنحسم طبيعة محتوى المناهج وكيفية تدريسه. 

وهل لديك أية إقتراحات عملية لتطوير المناهج؟
هناك مثال بسيط جداً وهو عندما نريد تعليم الأطفال الحروف الأبجدية ونقوم بتحفيظها إليهم بالأسلوب المعروف المكرر "ألف.. باء.." ونطلب منهم التسميع مراراً، بينما يمكننا أخذ منظومة الحروف وإدخالها مباشرة في كلمات مهمة وليس "سوسو" و"لولو" و"نلعب في الحديقة" وأشياء خاوية من المعنى، بل نعلمهم كلمات مهمة في حياتهم الحقيقية.

وما رأيك في وجهة النظر التي ترفض تعليم القواعد بشكل مكثف ومنفصل عن نصوص المطالعة والأدب والتي تنادي بضرورة إلمام الطالب باللغة كاملة والنفاذ إلى روحها عبر القراءة الوافية للنصوص الجيدة ومن ثم توظيف قواعد النحو في القراءة والكتاب لاحقاً؟
هذا أمر أكيد، وخاصة في المراحل الأولى من التعليم وللأسف الشديد نحن نطالب الأطفال بأصعب الأشياء في مقتبل حياتهم التعليمية فمثلاً عندما يكون عمرك سبع سنوات ويطالبوكِ بأوزان الفعل، هذا شيء تجريدي ولا يستطيع طفل صغير استيعابه. فيجب فعلاً تعليم القواعد عبر الممارسة والمطالعة المستمرة سواء بالقراءة أو الاستماع ثم في مرحلة متقدمة عندما يكبر الطلاب قليلاً ويصبح لديهم ألفة مع مفردات اللغة وقواعدها البسيطة التي تتكرر باستمرار أمامهم يمكن حينها تغذيتهم بالمفاهيم الأكثر تعقيداً. 

وفي النهاية ماذا تقولين عن أهمية أن يتقن الناس لغتهم؟
إن اللغة هي وعاء الإنتماء فأنا إن لم أعرف لغتي لا أنتمي لأن اللغة مرتبطة إرتباط وطيد بالمكان، فإهمالنا لهذه اللغة يعني أننا نخلق أجيالاً من الشباب لا علاقة لهم بهذا البلد وهذا شيء مرعب، ولكن بالطبع الثورة بينت لنا أنه بالرغم من هذا الاغتراب مازال هناك الملايين الذين يرتبطون ببلدهم ومكانهم وهويتهم القومية، وأعتقد أن الذي حدث سيكون دفعة تجعل لدى الشباب الإحساس بالفخر والإعتزاز الذي كان منعدماً، ومن هنا سيتغير موقفنا من اللغة بالتأكيد. 


- نشر بجريدة (المستقلة) 
الصادرة عن طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة
بتاريخ 23 مايو 2011

هناك تعليق واحد:

Mennatallah Yahia يقول...

حلو اوى يا ريم
كلامها مفيد فعلا