الجمعة، 30 ديسمبر 2011

جرائد ما قبل الثورة

مكتبي الحبيب. مع الإعتذار لكل المصورين المحترفين.

ده مكتبي.. بعد عملية الإخلاء التي تمت بسلام مساء أمس.. كان هذا المكتب متفجر بالملفات والجرائد والمجلات والأوراق والدفاتر.. والقصاصات والصور وأشياء كثيرة أخرى.. وكانت أمي دائماً تلومني لأن المكتب لا يخضع لعملية التنظيف أبداً لأني كنت ببساطة أمنع أي شخص أن يمد يده على أي شيء، ورغم أن الجميع لم يكن يرى إلا الفوضى في هذا الركن البديع إلا أني كنت أعرف مكان كل شيء بالضبط، وكان في منتهى النظام بالنسبة لي.. الـــمــــهــــم، أفرغته أمس ونظمت الأشياء في عدد من الملفات الكبيرة التي أشتريتها، ونقلتها جميعاً لمكتبة البيت خارج غرفتي.. وعشت حياتي بقى وحطيت الراديو على جنب زي مانتو شايفين كده، والدرفة الازاز اللي فوق حطيت فيها كتب (كانت مليانة جرايد).. إلخ إلخ.

وبمناسبة الجرائد، وجدت أمس مجموعة من أعداد (المصري اليوم) جميعها من قبل الثورة، وتصفحتها فبدأت أتذكر عن ماذا كنا نتحدث، وما الذي كان يحدث وكيف كنا نقرأه، وماذا كان يقول المسئولون لنا، وكيف أني شخصياً لم أكن أعي الكثير، وكيف أن هناك الكثير الذي تغير، فأنا لست من أنصار شعار "مفيش حاجة اتغيرت"، يكفي الحلم، ويكفي الأمل، ويكفي الوعي، والعزيمة، والمستقبل الذي يتغير، كنا نردد هذه الكلمات لمجرد الترضية في السابق، ولكنها اليوم واقعاً نعيشه.

وعامةً.. دي بعض العناوين اللي لقيتها.. 
- اضغط على الصور لتكبيرها، والمقال بالكامل مرفق مع كل صورة. 

(ملحوظة: ليس الآتي أهم ما حدث في العام 2010، ولكنه فقط ما وجدته عندي) 

* * * * * * * * * * 

مباراة مصر والجزائر 14 نوفمبر - المصري اليوم - 15 نوفمبر 2009.. لقراءة الموضوع بالكامل اضغط هنا






المصري اليوم 11 يونيو 2010 - لقراءة الموضوع بالكامل اضغط هنا

المصري اليوم 15 أبريل 2010 - لقراءة الموضوع بالكامل اضغط هنا
المصري اليوم 31 أغسطس 2010 - معارك الزبالة تشتعل (من هنا)
خطة المواجهة... - المصري اليوم 31 أغسطس 2010 - لقراءة الموضوع بالكامل اضغط هنا
كلام فارغ.. - المصري اليوم 14 يوليو 2010 - لقراءة الموضوع بالكامل اضغط هنا

المصري اليوم 3 يناير 2010 .. اعتقال مجموعة جديدة من تنظيم السلفية الجهادية (من هنا) – مصر، إلى أين المصير 2010؟  – حملة البرادعي تلجأ إلى التفويضات الشعبية بعد حظر التوكيلات (من هنا) – عبد الهادي مصباح يجيب عن سؤال الساعة: هل يوافق أولياء الأمور على تطعيم أبنائهم ضد أنفلونزا الخنازير؟ (من هنا)
منصور حسن، رئيس المجلس الاستشاري الآن (وزير الإعلام والثقافة وشؤون الرئاسة الأسبق) في حوار مع المصري اليوم بتاريخ 18 مارس 2010 -  للقراءة بالكامل اضغط هنا
المصري اليوم 11 مارس 2010 -  41% من المتقاضين لا يثقون في أحكام القضاء (من هنا) - قيادات المعارضة: تصريحات شريف حول عدم تعديل الدستور بداية حرب  - الإمام الأكبر يرقد إلى جوار صحابة الرسول  - حزب التجمع يدعو البرادعي إلى جلسة تشاور لتشكيل الجبهة الوطنية
المصري اليوم - 25 مارس 2010 - البرادعي يواصل حواره الإنساني للمصري اليوم (من هنا) - الحكومة تستعد لمد حالة الطوارئ إلى العام 31 (من هنا)
المصري اليوم 17 مارس 2010 - مسئولة ملف مصر بالخارجية الأمريكية: لن ندعم البرادعي (من هنا) - موجة عنف جديدة بالمدارس (من هنا)
المصري اليوم 15 يونيو 2010 - نظيف يساند الجبلي ضد اتهامات النواب، والجبلي: لن نتستر على الفساد (من هنا)
المصري اليوم 16 يونيو 2010 - للقراءة بالكامل اضغط هنا



المصري اليوم 15 يوليو 2010 - "لماذا لن يثور المصريون؟ّ بقلم د. عمرو الشوبكي: عضو برلمان الثورة اليوم.. جزء من المقال: 
"ربما تكون مصر فى حاجة أكثر من أى وقت مضى إلى «لوبى للإصلاح» ينقذ البلاد من خطر تفكك الدولة وتحلل النظام وانهيار المؤسسات والمرافق العامة، لأن من الصعب أن تستمر البلاد ضحية جمود النظام وتكلسه وعدم كفاءته، ووهم الثورة الشعبية التى لم تعرفها مصر إلا فى مواجهة المحتل، ومعها معظم دول العالم."
للقراءة بالكامل اضغط هنا

الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

فلسفة الـ ALT + F4


كنت بتفرج على الفيديو ده لأشرف حمدي.. وقررت إني أعمل ليستة مشابهة للفكرة.. 
 مجرد تدوينة خفيفة.. 

لو عندي (ألت + فـ 4) في حياتي:

- كنت هقفل ماسبيرو
- وبالمرة أقفل راديو مصر والفراعين والأهرام (والأخبار والجمهورية)
- وكنت هقفل كلام تيتا اللي بتقولي "يا محطمة القلوب"
- وكنت هقفل الدائري.. عشان طويل وبايخ
- وكنت هقفل تتنيحتي في أول أيام الاجازة (قمة أيام الفراغ)
- وكنت هقفل بقي.. عشان ماكولش شيكولاته وشيبسي كتير (.. من توابع قمة أيام الفراغ)
- وكنت هقفله شخصياً. الحقود.
- وكنت هقفل اللي يقولي "أنا ست وعارفة حركات الستات، البنت دي كانت نازلة قاصدة تتعرى، ايه اللي ملبسها أزرق؟"
- وكنت هقفل أكاونت وائل عباس على تويتر (أو على الأقل الشتائم اللي بيقولها)
- وكنت هقفل كلمات "لم ولن" اللي واجعين بها دماغنا، و"ممنهجة" و"الايقاع" و"حرق" و"خارجية"..
- وكنت هقفل التافهين اللي بيعاكسوا
- وكنت هقفل الوضع اللي بيخليني مش عارفة أخرج براحتي وأحضر كل اللي عايزاه في أي وقت
- وكنت هقفل الناس اللي بتتكلم أثناء العروض/الحفلات وتعلق من غير سبب
- وكنت هقفل البنات التافهة اللي بتتخانق بتفاهة زيها
- وكنت هقفل الجدال لأجل الجدال
- والجدال في أمور فرعية
- والجدال بدون ثقافة
- والتمسك بالرأي المتعنت
- وكنت هقفل الصوت العالي 
- وكنت هقفل الزبالة في الشارع
- وكنت هقفل الجهل
- والظلم
- وكنت هقفل سلك الدفاية اللي بيلمس
- وكنت هقفل الموتوسيكلات كلها

بس بجد.. 

كنت هقفل القلق والتردد وأبقى بنت شديدة كده. في كل حاجة. 

أبقى بت شديدة كده، أخوف الناس، يهابوني، يعملولي حساب، ماحدش يقدر يقول لي كلمة، العيال تسمع اسمي تترعش، الراجل يقعد في بيتهم من المغرب لما يعرف إني نازلة الشارع، الست ماتستجراش توريني وشها. أشكمهم كده، مايقدروش حتى يفكروا فيا وهما لوحدهم في البيت. أمال ايه. وأغير اسمي: أخليه عبد الجبار عباس الضبع الشهير بالسفاح.. أو نظيمة العشماوي الشهيرة بنجمة البقشيش.

الأحد، 25 ديسمبر 2011

إذا كان ذنبي أن حبك سيدي..

 من أجمل ما سمعت في حياتي..
(اضغط على أسماء الشعراء لتتعرف أكثر عليهم - لم أكن أعرف أن الأغنية مؤلفة من أجزاء من قصائد لعدة شعراء.. وياله من مزج بديع..)

إذا كان ذنبي أن حبّك سيّدي.. فكل ليالي العاشقين ذنوب
أتوب إلى ربي وإني لمرة يسامحني ربي.. إليكِ أتوب..
(تأليف منصور الرحباني)


بروحي تلك الأرض ما أطيب الربى.. وما أحسن المصطاف والمتربعا
وأذكر أيام الحمى ثم أنثني على كبدي من خشية أن تصدعا..
 وليست عشيات الحمى برواجع إليك ولكن خلي عينيك تدمعا
 كأنا خلقنا للنوى وكأنما حرام على الأيام أن نتجمعا..

غدا منادينا محكمأً فينا يقضي علينا الأسى لولا تاسينا
يا جيرة بانت عن مغرم صب لعهده خانت من غيرما ذنب
ما هكذا كانت عوائد الحب
لا تحسبوا البعد يغير العهد إذ طالما غير النأي المحبين
 (تأليف صدرالدين ابن الوكيل - من موشحاته)

ولا قرب نعم إن دنت لك نافع.. ولا نأيها يسلي ولا أنت تصبر
إذا جئت فامنح  طرف عينيك غيرنا.. لكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظر

يا شقيق الروح من جسدي أهوى بي منك أم ألم..
أيها الظبي الذي شرد تركتني مقلتاك سدى 
زعموا أني أراك غدا وأظن الموت دون غدي 
أين مني اليوم ما زعموا.. 
ادنُ شيئاً أيها القمر كاد يمحو نورك الخفر 
أدلال ذاك أم حذر يا نسيم الروح من بلدي 
خبر الأحباب كيف هم..

حامل الهوى تعب يستخفه الطرب
إن بكى يحق له، ليس ما به لعب..
كلما انقضى سبب منك عاد لي سبب
تعجبين من سقمي.. صحتي هي العجب..
تضحكين لاهية.. والمحب ينتحب..
(تأليف أبو نواس

يا غزالاً من كثيب أنت في حسن وطيب
يا قريب الدار ما وصلك مني بقريب..
يا حبيبي بأبي أنسيتني كل حبيب..
لشقائي صاغك الله حبيباً للقلوب..
يا حبيبي.. يا حبيبي..
(تأليف أبو نواس)

الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

فعجبت، كيف يموت من لا يعشق؟


قابلت احدى صديقاتي أمس فسألتني: ريم، ليه بطلتي تكتبي في المدونة بتاعتك؟ .. فأجبتها بأنه ليس عندي ما يقال، خاصة وسط الأحداث السياسية التي تندلع كل يوم والتي تشغل الناس في المقام الأول، وأنا لا أكتب في السياسة.
ردت علي: لكن دي كانت أكتر حاجة بتعجبني، كنتِ بتخرجيني من جو السياسة. ثم التفتت إلينا صديقة أخرى وقالت لي: أنا كنت بتابعك، صحيح، بطلتي ليه؟
واليوم سألني صديق أيضاً عن جديد كتاباتي..
والحق أني لم أنقطع، بل أظنني أدمنت الكتابة في الأسبوعين الأخيرين، أنكب يومياً على تدوين حياتي، وأفكاري، ومشاعري، كلها، في سلسلة رسائل الكترونية أرسلها إلى نفسي، أحياناً عدة مرات في اليوم.. وأصبحت هذه هي طريقتي الجديدة في كتابة مذكراتي، فبعدما كنت أكتب في الأجندة البيضاء ذات الدب القطبي على غلافها، ثم الأجندة السوداء – التي لم أكتب بها الكثير – ثم الدفتر البني الكبير الذي كنت أهدي فيه كل يومياتي إلى أستاذ العلوم الذي كنت مغرمة به إلى أبعد حد في الإعدادية في ايرلندا، وبعد كتابة مجموعة مذكرات أخرى اقترح بعض الناس نشرها في كتاب قرر مصمم غلافه أن يعطيه اللون الزهري – الذي لا يعجبني اليوم – أصبحت أتوه بين ملفات "الوورد" على جهازي، وأمضي وقتاً أبحث عن الأوراق المتناثرة على مكتبي.. فقررت أن أنتفع بالـ"جي ميل" وأخصص مجموعة رسائل أكتب فيها كل يوم.
أحياناً تكون رسالتي طويلة، وأشعر بنهم لسرد كل تفاصيل يومي وأحاديثي مع بعض الأشخاص، وأحياناً لا أكتب عن نفسي مطلقاً، بل أضع أغنية مثلاً (وهذا من فوائد كتابة المذكرات على طريقة الـ"مالتي ميديا")، وأكتب بعض كلماتها، أو كل كلماتها وأظلل ما يعجبني منها، أحياناً أكتب أبيات من قصيدة.. وأحياناً أشتم، وأشكو، وأغضب، وأبكي..
والجميل في الأمر هو أني أكتب عن نفسي وحياتي بتفصيل، وهو أمر يتعذر فعله على المدونة، ولكني لم أكن أعرف أنه أمر هام لهذه الدرجة.. أو كنت أعرف، لكني لم أعطه حقه أبداً.. فمقدار الراحة التي أشعر بها رائع.. هدوء يطوف غير قلق في الذهن، وسكون يغمر القلب..
ومنذ بضعة أيام، ربما أمس، كتبت في رسالة منفردة بيت أبي الطيب المتنبي:
وَعَذَلْتُ أهْلَ العِشْقِ حتى ذُقْتُهُ . . . . . . . .  فعجبتُ كيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ
عندما قرأت هذا البيت أول مرة.. أو بالأحرى عندما سمعته، كنت أجلس في الطابق الأسفل في مكتبة الجامعة، أضع السماعات في أذني بعدما قررت بدون داع أن أكتب أسماء الشعراء الذين ذكرهم الأستاذ في محاضرة الأدب العربي ذلك اليوم، في محرك "اليوتيوب" وكأني سأجدهم يطلون عليّ بشحمهم ولحمهم، بصوتهم العميق، وعيونهم المسافرة في الصحراء..
 لم أجدهم، لكني – وربما لدهشتي – وجدت الكثير من المقاطع المسجلة بأداء غاية في الجمال للمعلقات ولمختلف القصائد العربية الشهيرة.. ووجدت مقطع اسمه "أرق على أرق" للمتنبي، جذبني العنوان وأخذت أسمع القصيدة، ولم ألبث كثيراً حتى رسا عندي هذا البيت.. فأعدت سماعه.. مرة.. ومرات.. حتى وقعت في غرامه.
ربما أنا مجنونة، ربما أنا إنسانة "مبالغ فيها" (وطبقاً لبعض العارفين باللغة فـ"إنسانة" كلمة لا وجود لها، لكني أحب الاحتفاظ بالتاء المربوطة.. وياليتهم لم يسموها "المربوطة".. لكن حتى شكلها للعين يبدو مربوطاً..) على أية حال، يمكن أنا بني آدمة مبالغ فيها، لكني حقاً وقعت في غرام هذا البيت: فعجبت، كيف يموت من لا يعشق؟ وكأن الموت، الموت الحقيقي، الذي لا يتحقق إلا بحياة حقيقية، لا يقتنص إلا أرواح العشاق، العشاق الذين يهز شغفهم كيان الكون.. الذين تتقد قلوبهم بمن يحبون، بما يحبون.. الذين يتنفسون حبهم، الذين يشطر حبهم روحهم نصفين، الذين يسكرهم حبهم، ويكسرهم، ويقتلهم ويحييهم.. الذين يعيشون على رمق هذا الحب إلى الأبد..
أنا لم أقع في غرام الرجل الذي سأشاركه عمري بعد.. ربما أقابله بعد ثلاثين عام.. أو عشرة.. أو ربما أنه هنا، وأنا لا أراه.. لا يهم..
وربما أن المتنبي كتب هذه الأبيات في حالة وجد أصابته بها امرأة ما وقع في شباك عينيها، لكنه بالتأكيد لم يكتب ذلك الشطر الثاني "وعجبت، كيف يموت من لا يعشق؟" فقط تعبيراً عن ولعه بتلك الحبيبة.. ففي هذه الكلمات القليلة ربما لخص هذا العبقري الوجود كله ..
الموت الحقيقي لا يقتنص إلا أرواح العشاق الحقيقيين.. والعشاق الحقيقيون ثائرون، حالمون، مثابرون.. ثائرون في الحلم، وفي المعنى، وفي المبدأ.. وفي العمل.. وفي العشق عندما يحين.. يعيشون الحياة، أو يعيشون ما يؤمنون به بكل جوراحهم.
وبينما تغني أم كلثوم في أذني الآن "خبيني من الزمان.. خبيني.. وبعيد عن عيونه داريني.." أشعر أنه ربما بجدر بها ألا تطلب من حبيبها أن يخبئها من الزمان، بل عليها أن تدرك العشق الذي سيغير الزمان كله..
عيشي بشغف.. فعجباً لكِ تخشين موتاً.. وهو نصف موت.. لأنك لا تعيشين الحياة التي خلق الله الروح لها..

-- وربما أن المتنبي لم يكن يعني إلا أن العشق وحده هو الذي يصيب الناس بالموت لما يصيب المغرمين من وجد.. لكن لم يكن لشعره أن يعيش كل هذه السنين لو كان يعني ذلك فقط! ولو حتى دون إدراك مباشر منه..

(لقراءة شرح قصيدة المتنبي اضغط هنا)

الاثنين، 21 نوفمبر 2011

آمال وطن

سيدة ترفع يديها بالدعاء وسط الاشتباكات في ميدان التحرير - 19 نوفمبر 2011 .. تصوير: عمرو عبد الله، رويترز


اللهم أنت الأعلم أنا لا نريد إلا وطناً لا تهان فيه الكرامة. نريد وطناً ينام فيه الأطفال في بيوت كريمة، لا يحلمون بكسرة خبز أو شربة ماء نظيفة، أو حذاء متماسك، أو دورة مياه متحضرة، أنت الأعلم أنا نريد شارعاً لا تنتهك فيه حرمة المرأة، وأقسام شرطة تعمل لأجل الأمان، وليس للترويع والتعذيب، نريد مدارساً تنويرية، ووزارات مخلصة، وقيادات شجاعة. اللهم أنت الأعلم بالمظلوم والظالم، والخفي والبيّن، فانصر عبادك المخلصين.

الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

طقوس الوجود

جزء من عمل للفنانة لينا عامر بعنوان "مثقلة بتعب الوجوه" - مأخوذ عن صفحتها على موقع فليكر

لا أعرف إن كنت سأنام الليلة.. ثمة شيء صامت يثقل الأجفان.. شيء متعب، منهك، ناعم.. ولذيذ.. ثمة هدوء يغمر القلب، وحنين يخيم على الذكرى.. كل ذكرى.. وترقب يعلو الجو بخفة، لا تلمسه، ولا تراه تماماً، لكنه موجود، يتسلسل خلسة بين الأنفاس.. ولا يملأ صدرك..

ولا أعرف إن كنت سأكتب الليلة.. فصوت أصابعي على لوحة المفاتيح يروق لي.. وأنغام الثلاثي جبران على أعوداهم تروق لي أيضاً، ورسالة الصديق التي أرد عليها من خلف صفحة الكتابة تلك فأنفس فيها عن بعض ردودي التقليدية.. بعض تفاصيلي الصغيرة.. وبعض جنوني.. هي كذلك تروق لي..

والشغب يروق لي الآن، ونرجسيتي تروق لي الآن، وأحلامي الرائعة تروق لي الآن.. وسريري الدافئ أيضاً.. ورقصة غبية من رقصاتي الليلية.. وأغنية لبنانية.. قديمة.. وتمشية في منتصف الليل في شوراع القاهرة العتيقة.. العبقة.. الحزينة.. وقصيدة، وحكاية، وأعوام طفولة مضت..

لكن هذا كله ليس له معنى.. ولا يعني أي شيء لي.. أكرره.. وأكتبه كلما أمسكت بالقلم.. لكني لا أدركه.. لا أدركه أبداً..


أنا الطيف الذي يطل بين نظرات عينيّ في المرآة، عندما لا أمعن النظر إلى نفسي.. أنا - ربما - مثل بطلة تلك الأوبرا التي تحب الكثير من حولها، التي ترشف نور الشمس حين تشرق، وتستقبل بكل صفاء عبير زهور نيسان.. لكنها - هي - خاوية من العبير، وخاوية من التفسير، ولا تعرف لنفسها هوية.. وربما تكون الجار الذي يدق على بابك فجأة دون استعدادك..*

أنا من أرتطم بوجودي في أقصى حالات الصخب.. في قاعة تنتفخ بالبشر، تضج بالموسيقى العالية، خشخشة الآلات، ودقات الطبول، ونداءات الأوتار، وصوت يغني دون هوادة، وأياد تصفق، وعيون تتابع أنفسها، وتتابع الجميع، وتتابعني، وتتابعهم، وشفاه تبتسم، وعقول تنكب على نسج الحكايا، وحياكة الأماني، واللذات، وتهريب الصيحات، وتسجيل الذكريات، وتطييب الأحزان، وتزييف صور الحنق والخجل والنفاق، أرجل تأتي وتذهب، وتقوم للرقص، وتتأهب للغياب، وتشير بالقلق، أو الطرب، ضحكة تلو الأخرى، نداء يشد نظرة، وكأس يذيب قلب، ووجود آخر يراقب، وآخر يحيي كل شيء، ولا يراه أحد، ورجل يدخل، يحمل تنورة ملونة في الخاصرة، ويدور، ويدور، ولا يدور الصخب من حوله، بل يصبح هو في صخب يخلقه لذاته، وأنا – فجأة.. أو تدريجياً.. – يملؤني الصمت حيث أجلس، فلا أسمع شيئاً إلا دقات الطبول متواصلة، دئوبة، تئن مع القلب، تصعد مع الروح، لكنها ثابتة، غائرة في صلب الأرض، أسمع وأرى الألوان تتالى، واحدة تلو الأخرى.. أو لا أسمع.. وأنهار.. وأصبح ها هنا.. أخيراً..

ولا أعي ما أنا.. أشعر بالصمت، بتفاهة الحياة، بهدوء وحنان في القلب، وحزن يفيض في الروح.. لكني لا أعرف من أنا.. غير أني أعرف أني لست شيئاً من هذا الوجود.. قد أكون حلماً في خيال أحدهم.. قد أكون شريط ذاكرة لامرأة ميتة.. أو امرأة أخرى تختبئ في أعماقي ولم أحررها بعد.. 

__________

* الأوبرا المقصودة: " لا بوهيم - La Boheme" لجياكومو بوتشيني. 


الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011

حوار قبل 25 يناير / رحلة في مكتبة د. أحمد خالد توفيق



- حوار سريع في صيغة سؤال وجواب قصيرين
ملحوظة: الحوار أجري في يونيو 2010

بداية أريد أن أقول أني في ذلك الوقت كنت أتدرب، وأحاول محادثة عدداً من "المشهورين" وكنت أخفق في أسلوبي أحياناً (مرة طلبت لطفي لبيب الساعة 10 الصبح وصحيته من النوم)، أو لا أصل إليهم أحياناً أخرى.. ثم أتى د. أحمد توفيق وكان إجراء الحوار معه أمر يسير جداً، وكان شديد الأدب والذوق معي حتى لم أعد أعرف كيف يجب أن أرد عليه، فالشكر له لأنه تعامل مع صحفية مبتدئة مثلي كما تعامل مع أي شخص آخر في زمن يندر فيه هذا الشعور الطيب. (وأذكر أيضاً أن الأستاذ محمد الصاوي، مدير ساقية عبد المنعم الصاوي، في مهرجان الكوربة 2010 قال لأحدهم بينما كنت أجري حواراً معه: ثواني أخلص الأستاذة الصغيرة وآجي لك، على الرغم من وجود الكثيرين الذين أرادوه حينها.)

الشكر موصول دائماً للصحفية والصديقة العزيزة  شيماء الجمال
*** *** *** *** 

شكلت عوالم (ما وراء الطبيعة) بشخصياتها المرسومة بدقة، والمفعمة بالتفاصيل الحية، خيالات الكثيرين في عمر الشباب، جذبتنا (يوتوبيا) لنرنو إليها، وداعبتنا (زغازيغ) فإبتسمنا لها، وكثيراً ما تابعنا ما أنتجه صاحب هذه الكتب من مقالات إجتماعية وسياسية في المجلات والجرائد.. لهذا، ولنقترب أكثر من غرفة العمليات التي تخلق هذه الروايات الشيقة والمقالات المدروسة كان لنا الحوار الآتي مع د. أحمد خالد توفيق عن قراءاته المختلفة..

هل تذكر أول كتاب قرأته؟ 
 كتاب (سياحة غرامية) للراحل محمود عوض.

ماذا عن الكتاب المفضل لديك؟  
الاختيار صعب فعلا لكن في الأدب تشيكوف ويوسف إدريس. في السياسة هيكل وأحمد بهاء الدين. في المجتمع وتغيراته جلال أمين. في الأدب الساخر ترك محمد عفيفي علامة لا تمحى في حياتي، وحاليأ ألتهم أي شيء كتبه بلال فضل..


وهل من شخصية  في كتاب قريبة إلى قلبك؟ 
شخصية دنانه في (شيكاجو) من أمتع الشخصيات و لا أحد لا يحب شخصية أحمد عبد الجواد بكل تناقضاتها ..


أجمل كتاب حصلت عليه كهدية؟
عدة أعداد من مجلة (الألسن) للترجمة الصادرة عن جامعة عين شمس من صديقة اسمها رزان ووجدت المجلة دسمة جدًا.

كتاب لا يمكن أن تهديه لأحد.. 
هناك كتب ثمينة جدًا وقديمة .. مثلاً كتاب (هكذا تحكم مصر) لعلي ومصطفى أمين  و أول كتاب لهيكل (إيران على حافة بركان). 

كتاب تحت وسادتك الآن.. ما هو؟ وهل هو ممتع أم ممل؟  
رواية (أنين) للكاتب الشاب الموهوب شريف ثابت. هو كتاب ممتع لكني لا أستطيع إنهاءه أبدًا لأن شيئًا يحدث في كل مرة أو تفسد حالتي النفسية. هذا الكتاب لغز فعلاً.. في آخر محاولة كسر ابني رجله وهكذا نسيت ما كنت أفعله وانشغلت. 

  
كتاب لم يعجبك؟! 
كتييييير. مثلاً  بذلت مجهودًا عنيفًا لاستكمال أية رواية لأورهان باموق التركي صاحب نوبل وفشلت. فقط أحببت كتابه غير القصصي (ألوان أخرى).

كتاب قرأته أكثر من مرة و لم تمل من قراءته؟ 
(سينما الخيال) لبيتر نيكولز، ترجمة مدحت محفوظ.
 
من أكثر من تحب القراءة له\لها من الكتاب الشباب؟ 
حاليًا أحببت أحمد مراد جدًا.. أموت في ميشيل حنا ومحمد عبيه ومحمد فتحي.. الأخير مشاغب وتدهشني جرأته وشجاعته.

كتاب تتمنى أن يكون فيلماً؟ 
(شيكاجو) ستكون فيلمًا ممتعًا فعلاً و(تراب الماس) أيضاً. (عزازيل) فيلم لا تستطيع السينما المصرية عمله لكنه سيكون تحفة فنية. وطبعًا (يوتوبيا) روايتي أتمنى أن أراها.

من أكثر من تحب القراءة له من الشعراء؟
كل ما كتبه أحمد فؤاد نجم وأمل دنقل ونزار قباني.  طبعًا كل الناس تعشق رباعيات صلاح جاهين وأنا من الناس.

ديوان مفضل لديك؟

هناك شاعر من الستينيات اسمه عزت الحريري له ديوان اسمه (أنا عايش).. تحفة..

تتميز أعمال د أحمد توفيق بالغزارة في التفاصيل التي تنم عن القراءة في شتى المجالات وفروع المعرفة.. كيف هي قراءاتك غير الأدبية؟ فيما تقرأ؟ و لمن؟
أحب قراءة تاريخ الاكتشافات العلمية، لذا فلكتاب قصة الحضارة منزلة خاصة عندي. الفكرة هي أن المرء  يجب أن يعرف كل شيء ممكن عن العالم الذي يعيش فيه. ليس الأدب هو الطريقة الوحيدة للمعرفة. ويلز كان يدرس الأحياء بتعمق، وأرنولد توينبي كان خبير رياضيات..

الخميس، 28 يوليو 2011

كرسي المشاهدة


عندما كنت طفلة صغيرة كنت أتجول في أحد المحال مع أبي وإذا به فجأة يذهب تجاه مجموعة من اسطوانات الموسيقى الكلاسيكية، ويخاطبني في دهشة "تصوري! خمس اسطوانات للروائع العالمية بثمن زهيد جداً!" واشتراها أبي وكنت في ذلك الوقت أرى إهتمامه بالموسيقى "الكبيرة" التي يسمعها كما أرى مراجع الطب الكبيرة أيضاً التي كان يحرص على متابعتها، ويقضي الليالي على قراءة ما ضمته جلدتاها السميكتان.. كانت المراجع بالنسبة لي، كما الموسيقى، بعيدة، معقدة، ولأبي فقط..

وفي يوم قررت "أدعبس" في هذه الاسطوانات التي راق لي منظر صور الرجال المتأنقين عليها، وخاصة تشايكوفسكي صاحب العينين الصافيتين والشارب الأبيض المرتب بعناية، وسمعت الاسطوانة تلو الأخرى وتابعت أسماء المقطوعات.. حتى بدأ أبي يسابقني في معرفة اسم المقطوعة ومؤلفها، ثم زاد إهتمامي بالموسيقى وأصبحت كثيراً ما أهزم أبي.. واخترت دراسة الموسيقى في المدرسة لمدة عامين، وتعلمت العزف على البيانو، وكنت كثيراً ما ألجأ لهذه الاسطوانات، يشاركني الغاضب منها لحظاتي الثائرة، ويداعب العذب منها قلبي الصغير، ويثير بعض الدموع في عيني الرائع منها الذي يسمو بي بعيداً عن الدنيا، وأغيب في لحظات من التيه والوجود أنسى فيها نفسي، ليتجلى كل ما هو رائع، كل ما هو صعب المنال، كل ما هو شجي، وبعيد، وجميل.. 

من أكثر ما أحببت كان "الهابانيرا" من كارمن لبيزيه، و"الأمير الشاب والأميرة الشابة" من شهرزاد لرمسكي كورساكوف، وسوناتا ضوء القمر لبيتهوفن، وكونشرتو البيانو رقم 1 في "سلم ري بي مول صغير" (كما ترجمها لي مذيع في البرنامج الموسيقي ذات مرة)، ومقطوعة الصباح لجريج، وكونشيتو البيانو رقم 2 "آديجو سوستينُتو" لراخمانينوف، ولا ترافيّتا لفيردي.. وغيرها..

وربما لأي متخصص بالموسيقى تنم هذه الاختيارات عن معرفة غير واسعة.. وهذا لا أنكره.. لكني كتبت ما كتبت لأني أدركت أني مللت الجلوس على كرسي المشاهدة! كما ربما – دون أن أعي – مللت سماع هذه الموسيقى تنبعث عن بعد من مكتب أبي، وقررت أن أكتشفها فإنفتح لي ذلك العالم الموسيقي، وراق لي كثيراً، وربما لولا تلك اللحظة لما تعلمت بعض مبادئ الموسيقى في المدرسة، ولما شعرت الآن أني أريد استكمال دروس البيانو، ولما كنت أنتظر عروض الباليه في الأوبرا بشغف، وحفلات الموسيقيين في كل مكان بمختلف ما يعرضونه من ألوان هذا الفن..

مللت الكتابة عن أنشطة الآخرين، مللت الكتابة عن أمنياتي، مللت الحديث عن ذلك المكان الرائع، أو المستقبل الذي سأحقق فيه الكثير.. لأني وجدت نفسي الآن في مستقبل كنت أتخيله منذ عام أو عامين أو أكثر، وانتهى بي الأمر أني مازلت أرسم مستقبلاً غير الذي أحققه، ووجدت نفسي على كرسي المشاهدة: أرى الجميع يذهبون ويجيئون، وأحرك شفتي أو قلمي، ولكني أظل مكاني..

وللحظة أدركت أن جلوسي قد يكون سببه عدم وضوح الرؤية، أو الكسل، أو الخوف من التجربة.. ولأني أعلم جيداً مدى الرعب الذي يسببه لي أي شيء أقوم به، مدى القلق عند البوح برأيي، ومدى عدم رضاي عن عملي وإن رضي عنه من حولي، وميلي للمكوث دائماً في مقعد هادئ للمتابعة عن بعد.. لأني أعلم أن تلك المشاعر الطفولية لن تحقق لي أي شيء، ولأني بدأت أشعر بالملل من حياتي بأكملها.. أردت أن أتوجه لفعل ما أحب، وأن أخطئ (حتى وإن كنت أشعر بعدم ارتياح وأنا أكتب هذه الكلمة وأتخيلها في عقلي).. وأن أخطئ، ثم أتعلم، وأن استمتع بذلك، وأعيش هذه الحياة بكل ما فيها..

وربما هناك شخص ما مثلي في مكان ما.. ولهذا كتبت هذا المساء..

الاثنين، 27 يونيو 2011

عن الوحدة

من أعمال باسكال كامبيون

الوحدة
أروع
شيء 
في 
الوجود

فهي تعطيك الفرصة دائماً لرؤية الدنيا من على بعد خاص
وتأمل تفاصيل البشر
والاستمتاع بجمال الأشياء على مهل

لكنها تحرمك من أن تعيشها بكل جوارحك.

***

وتعيشُ دائماً وحدك.. تنسج خيوط الوحدة حولك.. وتفرخ هي أطفالها في داخلك.. يكبرون فيك.. يطلون من عينيك.. يتساقطون بين كلماتك.. ينامون على أطراف ضحكاتك.. يهربون في دموعك.. ويشدونك في إيماءة بطيئة وحيدة وأنت جالس على كرسي بين الآلاف، وحدك، و لا تسمع شيئاً إلا صوت الريح يدور من حولك..

***
عندما تموت سيجدها أحدهم بالصدفة بعد أيام أو شهور ملقاة على أعتاب غرفتها.. في سريرها.. أو على أحد الكراسي.. ولن يعرف أحداً اسمها.
سيهيل عليها التراب وحده.. ويرحل..
ولن يزور قبرها إلا نسيم الشتاء عابقاً بالشجن، حاملاً الأمل والذكرى.. كما فعل دائماً..

الجمعة، 24 يونيو 2011

ذاكرة الأمنيات..


كان يأتي الربيع في أيرلندا فتمتلئ الدنيا بزهور الهندباء (ولا أعرف لمَ يبدو اسمها غريباً هكذا بالعربية! يطلق على الهندباء  لفظ "داندولاين" بالإنجليزية، وهي زهور صفراء صغيرة، تنتشر في أرجاء المساحات الخضراء الواسعة، تغطيها، تظلل هور الأقحوان ("الدايزي") الصغيرة، البيضاء، التي تنبثق كالبسمات تحتضن أشعة الشمس، تدغدغ التلال الزمردية،  وتملأ صدرك بالفرحة والأمل.
وعندما يأتي الصيف تتحول وريقات الهندباء الصفراء إلى شيء يشبه المظلة: الكثير من الأعواد الضئيلة التي تحمل كل منها مظلة أخرى خاصة بها من الوريقات أو الشعيرات الهشة، تائهة اللون بين الأبيض والرمادي.. قالت لي إحدى صديقاتي إنه يجب تمني أمنية قبل النفخ برفق في زهرة الهندباء الصيفية، فتتطاير أجزاؤها مع الهواء، وتسقط في مكان ما حتى تُزهر الربيع القادم وتتحقق الأمنية.
كنت سأكتب عن بعض أمنياتي السابقة، ولذا عنونت تدوينتي بـ"ذاكرة الأمنيات"، لكني غيرت رأيي، وآثرت أن أكتب فقط عن ذكرياتي مع هذه الزهور البديعة وإرتباطها بأمنياتي أمس واليوم.. 

أتذكر أول مرة رأيتها فيها، عندما اندهشت جداً، فقد كان عهدي بها دائماً هو رؤية أبطال أفلام الكرتون ينفخون جزيئاتها.. يومها كنت أزور العاصمة دبلن لأول مرة، كنت في العاشرة من عمري، طفلة قصيرة ممتلئة أمسك بيد أبي، نسير على إحدى الجسور في دبلن، فوق نهر الليفي، عودة من السفارة المصرية، وأذكر أن أبي كان قد بدأ يغني عندما رأيت مجموعة من أزهار الهندباء فأوقفته أحكي له "عن عهدي بها في أفلام الكرتون.." والتقطت واحدة ونفختها في سعادة بالغة.. في سنين كان كل ما بها جميل، كان كل شيء يسعدنا ببراءة خاصة لا تتكرر ثانية.
ربما تمنيت حينها أن أزور مصر، أو يوافق أهل صديقتي إيمان أن تزورني في البيت نهاية الأسبوع، أو أن أنجح في إمتحان الحساب.. وربما بعدها بعامين أو ثلاث تمنيت أن تجمعني صدفة ما بأستاذ العلوم الذي كنت مغرمة به في مدرستي القديمة.. وبعدها بعام آخر ربما كنت أتمنى أن تأتي معجزة ما تنتشلني من نوبة الاكتئاب التي عصفت بحياتي عدة أشهر..
واليوم.. أنا أتمنى أن يجمعني الله دائماً بعائلتي على خير، وأن يرضى عنا ويرحمنا، وأتمنى أن ينصر الله أهل سوريا، ويحمي شعبها، وأرضها الطيبة، أتمنى ألا أموت قبل أن أرى مصر قوية، وقد انتشلناها من الفقر والجهل والظلم، وأتمنى أن أعمل كما ينبغي عليّ أن أعمل.. أتمنى أن أنهى قراءة الكتب التي وضعتها على المكتب "لأجل القراءة"، أتمنى أن أعود للعزف على البيانو، وأتمنى أن أتخلص من خوفي من الطائرات، وأن أزور تركيا واليونان، وأتمنى ألا أنسى إصلاح نظاراتي غداً.. أتمنى أن أكون أكثر صبراً، وأقل خوفاً، وأتمنى أن أستطيع إسعاد من حولي.. أتمنى كوب كبير من الماء البارد، وليلة سعيدة هذا المساء، وغد أفضل.. وأتمنى كما تتمنى أمي دائماً: الرضا والستر.