كان يأتي الربيع في أيرلندا فتمتلئ الدنيا بزهور الهندباء (ولا أعرف لمَ يبدو اسمها غريباً هكذا بالعربية! يطلق على الهندباء لفظ "داندولاين" بالإنجليزية، وهي زهور صفراء صغيرة، تنتشر في أرجاء المساحات الخضراء الواسعة، تغطيها، تظلل هور الأقحوان ("الدايزي") الصغيرة، البيضاء، التي تنبثق كالبسمات تحتضن أشعة الشمس، تدغدغ التلال الزمردية، وتملأ صدرك بالفرحة والأمل.
وعندما يأتي الصيف تتحول وريقات الهندباء الصفراء إلى شيء يشبه المظلة: الكثير من الأعواد الضئيلة التي تحمل كل منها مظلة أخرى خاصة بها من الوريقات أو الشعيرات الهشة، تائهة اللون بين الأبيض والرمادي.. قالت لي إحدى صديقاتي إنه يجب تمني أمنية قبل النفخ برفق في زهرة الهندباء الصيفية، فتتطاير أجزاؤها مع الهواء، وتسقط في مكان ما حتى تُزهر الربيع القادم وتتحقق الأمنية.
كنت سأكتب عن بعض أمنياتي السابقة، ولذا عنونت تدوينتي بـ"ذاكرة الأمنيات"، لكني غيرت رأيي، وآثرت أن أكتب فقط عن ذكرياتي مع هذه الزهور البديعة وإرتباطها بأمنياتي أمس واليوم..
أتذكر أول مرة رأيتها فيها، عندما اندهشت جداً، فقد كان عهدي بها دائماً هو رؤية أبطال أفلام الكرتون ينفخون جزيئاتها.. يومها كنت أزور العاصمة دبلن لأول مرة، كنت في العاشرة من عمري، طفلة قصيرة ممتلئة أمسك بيد أبي، نسير على إحدى الجسور في دبلن، فوق نهر الليفي، عودة من السفارة المصرية، وأذكر أن أبي كان قد بدأ يغني عندما رأيت مجموعة من أزهار الهندباء فأوقفته أحكي له "عن عهدي بها في أفلام الكرتون.." والتقطت واحدة ونفختها في سعادة بالغة.. في سنين كان كل ما بها جميل، كان كل شيء يسعدنا ببراءة خاصة لا تتكرر ثانية.
أتذكر أول مرة رأيتها فيها، عندما اندهشت جداً، فقد كان عهدي بها دائماً هو رؤية أبطال أفلام الكرتون ينفخون جزيئاتها.. يومها كنت أزور العاصمة دبلن لأول مرة، كنت في العاشرة من عمري، طفلة قصيرة ممتلئة أمسك بيد أبي، نسير على إحدى الجسور في دبلن، فوق نهر الليفي، عودة من السفارة المصرية، وأذكر أن أبي كان قد بدأ يغني عندما رأيت مجموعة من أزهار الهندباء فأوقفته أحكي له "عن عهدي بها في أفلام الكرتون.." والتقطت واحدة ونفختها في سعادة بالغة.. في سنين كان كل ما بها جميل، كان كل شيء يسعدنا ببراءة خاصة لا تتكرر ثانية.
ربما تمنيت حينها أن أزور مصر، أو يوافق أهل صديقتي إيمان أن تزورني في البيت نهاية الأسبوع، أو أن أنجح في إمتحان الحساب.. وربما بعدها بعامين أو ثلاث تمنيت أن تجمعني صدفة ما بأستاذ العلوم الذي كنت مغرمة به في مدرستي القديمة.. وبعدها بعام آخر ربما كنت أتمنى أن تأتي معجزة ما تنتشلني من نوبة الاكتئاب التي عصفت بحياتي عدة أشهر..
واليوم.. أنا أتمنى أن يجمعني الله دائماً بعائلتي على خير، وأن يرضى عنا ويرحمنا، وأتمنى أن ينصر الله أهل سوريا، ويحمي شعبها، وأرضها الطيبة، أتمنى ألا أموت قبل أن أرى مصر قوية، وقد انتشلناها من الفقر والجهل والظلم، وأتمنى أن أعمل كما ينبغي عليّ أن أعمل.. أتمنى أن أنهى قراءة الكتب التي وضعتها على المكتب "لأجل القراءة"، أتمنى أن أعود للعزف على البيانو، وأتمنى أن أتخلص من خوفي من الطائرات، وأن أزور تركيا واليونان، وأتمنى ألا أنسى إصلاح نظاراتي غداً.. أتمنى أن أكون أكثر صبراً، وأقل خوفاً، وأتمنى أن أستطيع إسعاد من حولي.. أتمنى كوب كبير من الماء البارد، وليلة سعيدة هذا المساء، وغد أفضل.. وأتمنى كما تتمنى أمي دائماً: الرضا والستر.
هناك 4 تعليقات:
وحياة غلاوة النبي يا شيخو تكتبيلنا كل يوم..أنا بحب أقرالك قوي :)
أنتي شاطرة في الوصف ..يعني وصفتي الزهرة بشكل جميل ومفصل بدون ملل.
خواطر جميلة.. :)
فِعلاً كِتاباتكْ جَميله جداً يا رِيم ..:)
أنا حَبِّيت المُدونه دِي ..:)
جميــلة أوووى
كتاباتك مُعبرة جداً
والوصف جميـل :)
تسلم إيـدك
حلوة يا ريم
بحس كتاباتك دايما بتدخل على قلبى الهدوء ..
بحب أقرأ لك :D
إرسال تعليق