الأحد، 7 فبراير 2010

عن ثقافة القراءة بين الأطفال ..






لطالما حلمت باليوم الذي يأتي فيه ابني بتلهف، ليحكي لي عن يومه في المدرسة..كما تحلم كل الفتيات.. كم حلمت به و بأمنيتي أن يصبح أجمل مني، و أن أحميه من كل ما عانيته، و أن أراه يحقق عملاً عظيماً، و يصبح له شأن كبير بين الناس.. و من بين أحلامي هناك حلم قد يضحكك أيها القارئ.. أراني جالسة في الليل منهكة من العمل، و من متاعب الحمل، أمسك بقصة للأطفال بين يدي، و أحكيها له كما لو أنه متيقظ بجانبي، بينما يداعب هو أغشية الرحم الرقيقة بأصابعه شبه المكوّنة، و يتنفس بداخلي، مني، وفيّ..

 ثم أراه و قد ولد و كبر، و يأتي من المدرسة بتلهف –لكن لا ليحك لي هذه المرة- بل ليجذبني من يدي نحو المكتبة، تتوق عيناه للكتب، و تغوص خيالاته في ألوانها المتعددة و أفكارها الكثيرة.. ثم يختار ما يريد و يأت لي به و يناولني ورقة ملونة صغيرة قائلاً "ها هو الكوبون يا أمي".. و اليوم سأروي لك حكاية الكوبون هذه عزيزي القارئ..



النظام التعليمي لدينا في مصر لا يحث على القراءة الحرة و لا يشجع الطلبة و خصوصاُ براعم المرحلة الإبتدائية على توسيع دائرة معارفهم، و جذبهم لمختلف صنوف الكتب.. دور المدرسة في تنمية هواية القراءة لدى الطلاب مهم جداً و حيوي و بإنعدامه تولد الكثير من المشكلات التي لن نخوض فيها الآن، و لن نخوض أيضاً في عيوب المنظومة التعليمية التي أظنها تحتاج لما يسمى بالـ "سوبر ثورة" . فنحن لدينا الحل البسيط و المبتكر ككل مرة: الكوبون!



يتم تصميم كوبون للأطفال بقيمة جنيه و نصف مثلاً، و يتم توزيع الكوبونات على أطفال المدارس. يمنحهم هذا القدرة على شراء كتاب أثناء فترة صلاحية الكوبون مع خصم جنيه و نصف من ثمن الكتاب الأصلي. سيشجعهم هذا على الشراء و سيذهبون إلى المكتبة و يختارون ما يحبون و يشترونه مع الخصم. و ستعجبهم الفكرة و يحبونها إذ أنهم سيشعرون بكيانهم و بأنهم كالكبار يشترون و يدفعون و أن هناك من يهتم بهم و بحياتهم و أفكارهم.. فسيرغبون بالذهاب إلى المكتبة مرة آخرى و هكذا مرة بعد مرة و كتاب تلو الآخر سيكبرون على حب القراءة و المعرفة. يتم تطبيق هذه الفكرة في أوروبا (و قيمة الكوبون حوالي يورو و نصف) و هي ناجحة جداً، أثناء الحملة تجد الأطفال في طوابير عند الركن المخصص لكتبهم و عند الدفع تجدهم يتذمرون أن الكوبون لا يصلح إلا لكتاب واحد و يتمنون لو كان بحوزتهم كوبون آخر و تنطلق من عيونهم البريئة نظرات الحقد لمن سنحت له الفرصة للحصول على أكثر من كوبون، و تجدهم مع ابهاتهم و أمهاتهم يحكون في حماس عن قصص قرأوها سابقاً أو عن شوقهم لقراءة الكتاب الجديد..



و أعدك، و هو وعد شرف، أن ابني –هنا في مصر- سيأتي من المدرسة في يوم من الأيان حاملاً معه الكوبون، و سنذهب للمكتبة سوياً و أرى اصدقائه الصغار هناك يشترون الكتب و أبتسم لنفسي و لغيري من أولياء الأمور نفرح لرؤية هذا الجيل المتفتح القارئ.. و ستصبح القراءة جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية.. فنقرأ أثناء الغداء في المطعم (إن كنت بمفردك بالطبع)، و نقرأ في قاعات الانتظار بالمطارات و الهيئات الحكومية و غيرها.. و نقرأ أثناء الرحلات الطويلة، أو حتى القصيرة.. فيصاحبنا الكتاب في كل مكان و كل وقت.. و لن يصبح الكتاب خير صديق، بل ستصبح نحن خير أصدقاء له..
 
ريم جهاد
مجلة كلمتنا - فبراير 2010
(المقال الخامس في سلسلة مقالات كلماوي مغترب)

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

ريم حبيبي آرائك حلوة جدا وياريت لو تتنشر أكتر وتتعمم ولعل و عسى

ربنا يوفقك دايما

تغريد الصبان

غير معرف يقول...

استاذة تغريد
سعيدة جدا جدا جدا بتعليقك و ان المقال عجبك .. و يا ريت فعلا فكرة الكوبون دي تتنفذ لأنها ناجحة و مؤثرة جداً :)
تحياتي