السبت، 26 ديسمبر 2009

ظلمة..




أن تصاب بالاكتئاب هو أن تنعدم كل معان الحياة.. أن يكون موتك هو الحياة، أن تستقيظ تنتظر لحظة انقباض روحك في كل خطوة تخطوها، أن تكون لحظات صلاتك لحظات رعب و خوف و انقباض.. ليس خشية و خشوع و إيمان.. أن تقوم في الليل فزعاً لا تذكر هذا الكابوس المزعج الصارخ لكنك تسمع بوضوح دقات قلبك تدوي في المكان، تتسارع و تتلعثم و تصبح غير منتظمة حتى تظن أن قلبك سينفجر و يستسلم في أية لحظة.. تأتيك هواجس و هلاوس و خيالات تترنح في الظلام و أصوات حادة شريرة تهمس في أذنيك، تملأ عقلك، تسيطر على روحك تبث فيها كل الرعب فترتعش جميع اطرافك بعنف و تصبح احتياجاتك كالأطفال، يأتي أحدهم يجلس إليك يحثك بكل هدوء أن تتنفس و تدخل الكثير من الهواء إلى صدرك الذي تشعر أنه قد أصبح ضيق ضيق، و يقوم بالكفكفة عن دموعك المنهمرة دون توقف و دون إرادة و قراءة البسملة العديد من المرات، يمسك بيديك عل الرعشة تتركها و ترحمك الليلة أو يأخذك معه إلى سريره حتى تغفو مرة آخرى.. أن تصاب بالاكتئاب هو أن تفكر مراراً و تكراراً في كتابة وصيتك، في ترك رسالة إعتذار لفلان و كلمات حب لفلان الآخر.. هو أن تبكي بجنون حتى تصبح الدموع شيء طبيعي في عينيك و تصبح هذه الجفون الطفولية ذابلة مكحلة بالشجن.. تبكي فجأة بدون أي سبب في أي وقت.. كل الوقت.. تعاني لتنام حتى تصبح الليلة اللتي تنام فيها هي ليلة نادرة جداً، لذيذة جداً.. تعاني من ملابسك لأن أكلك يصبح غير منتظم فإما تأكل بشراهة مبالغ فيها و إما تنسى الطعام حتى تشعر بهبوط حاد قبيل بداية الحصة فتهرول لشراء قطعة من الحلوى لتنقذ نفسك لا من الاعياء بل من رؤية أحدهم لك و الكشف عن سرك.. أن تصاب بالاكتئاب هو أن يصبح أي حديث عن الموت أو المرض أو الفشل هو حديث محظور، هو قنبلة موقوتة، هو علامة و دليل و شر منتظر فيمتنع الجميع أن ذكر أي شيء من هذا القبيل أمامك.. هو أن تصبح كل افلام التراجيديا متآمرة عليك و مشاكل الناس في التلفاز متآمرة عليك.. و الكون كله أسود ظالم، لا يعطيك أية فرصة للتحسن، و هو الاخر متآمر عليك.. هو أن تكون قصيدة الرثاء التي يقرأها الاستاذ في حصة الأدب الانجليزي أفظع ما يمكن أن يحدث في الوجود حيث تنفلت منك جميع أعصابك و ينهار هذا القناع القوي المبتسم و تندفع الدموع بغزارة إلى عينيك تعدم رؤيتك و يتلألأ كل شيء في ضبابية و اهتزاز .. تحاول مسح هذه الدموع سريعاً، تدعو الله في سرك أن تتكسر حروف هذه القصيدة .. ترفع عينيك فإذا به يعطيك نظرة استفهام فيدق قلبك و تخفض نظراتك سريعاً مرة آخرى حتى تفتر شفتاه عن ابتسامة و يقول مداعبة تضحكك و تريحك.. من الدموع.. و من عذاب محاولة اخفاء ما فيك.. أن تصاب بالاكتئاب هو أن ترفض كل جديد، أن تخاف من كل جديد، أن تهاب الكلام مع الناس .. هو أن تخاف الحديث، أن تخاف التفتيش بداخلك و معالجة ما فيك، هو أن تتكتم على كل ما تشعر به ظاناً أنك بهذا تحافظ على كرامتك و أنت تهينها كل الاهانة و تعذبها كل التعذيب.. هو أن تتكتم و ترفض و تذعن و تبكي و تخاف و تهرب و تنطوي و تصرخ و تصمت و تصمت و تصمت حتى يصبح لصمتك ألف صوت و صوت يدوي في عوالمك و يرهبك و يخفيك و يزيد من تعذيبك..



هناك تعليقان (2):

الست فرويد يقول...

الجميلة ريم

على الرغم من دقة وصفك وروعته وانقباض قلبى على اثر كلماتك المولمة والتى توكد انك اجادت الوصف ببراعة

الا انى اخشى ان يكون هذا هو وصف لاحساسك
واجدنى لا استطيع الا ان ادعو لك بصلاح الاحوال وراحة البال بقدر قلبك الجميل

وقك الله شر كل سوء
وسلم قلمك النابض بالجمال رغم الالم

غير معرف يقول...

عزيزتي ..
سعدت جداً أني أخيراً تلقيت أول تعليق على مدونتي.. و سعدت أكثر أنه كان من سيدة رقيقة مثلك ..
لن أخفيك سراً فقد مررت بهذه المرحلة في وقت من الأوقات.. لكنها أصبحت ذكرى بعيدة الآن - كلما عادت أحاول حمد ربي و الاستمتاع بالراحة التي أعيشها رغم ضغط و مشاغل الحياة :)
و سعيدة أكثر بكلماتك الجميلة عن قلمي المتواضع ..
تحياتي ..